الشعر ورماده في غزة
على إبراهيم
في اليوم العالمي للشعر اوائل آذار كتبت الصحف المقالات، ونشرت الشعر بأنواعه، ومسمياته، في يوم الشعر حلّقت الطيور من رغبة شاعر، وتوسدت الطبيعة وصف شاعر، وآخر هام به الخيال فرقّ شعره، هذا هو حال الشعر تنفّس يوما له من سطوة الرواية عليه باعداد تدخل قوائم الفوز، او تقف عند باب الجوائز؛ ومع ذلك فهو اليوم العالمي لحضرة الشعر. وكما سمعنا، وقرأنا عن الشعر ويومه، فقد وصلت اسماعنا خبرا من غزّة لرجل اتعبته الحياة في ظلّ الإحتلال، وافنى العمر يبحث عن الحقيقة حقيقة الوطن الذي ضاع بين انياب الصهيونيّة، وعن الرغيف الذي اختفى من تدمير الأفران والأسواق لهول مجازر المحتل، و افصح فقال: "نعتذر للعرب، والشعراء، والادباء وللامة العربيّة عن حرق ديوان الشاعرة الفلسطينيّة، فدوى طوقان لطهي الخبز" . هكذا نزل الخبر، وانتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد لخصّ الرجل الفلسطيني عمله بكلمات قليلة "نحن نعيش حرب الإبادة" ولمّا كانت وسيلة الاتصال مسرعة جاء الرّد، والتعليق بنفس السرعة( تعليق 1_وما فائدة الأشعار والحرب تبيد الأبرياء؟ وتعليق2_احرق ولا تعتذر! حمل وتعليق3_احرق فهذا الشعروالسفسطة الفارغة هي التي جعلتنا محنطّين بينما الأمم تدرس العلوم وتصنع الأسلحة والصواريخ والدرونات لتدكّ بها رؤوسنا) . وهذه الآراء وإن تعاطفت مع الحدث وصاحبه، فقد نفت اي فائدة للشعر، او أمرت بالفعل دون الإعتذار لمشكلة متأصلة مع الرجل، او طلب امر افاض في توضيح سبب الحرق بإعتبار الشعر لغوا، وهذرا لايجدي من سفسطة فارغة، لانَّ نتائج الكفة الثانية هي التقّدم العلميّ، في صنع الأسلحة بأنواعها المختلفة لتهوي على الرؤؤس لاي حرب تندلع. وربما آراء أخرى أكثر قساوة على الشعر الذي لايحمي اعزلا من السلاح، ولا ينقذ امرأة و طفلها من تدمير منزلها، وحكايات عقود من الإبادة يقف الشعر حائرا أمام السلاح المدمّرة، ويعجز الشاعر ان يلملم جراح أبناء وطنه، و يضمّد جراحهم.وما كان عليه الإعتذار للامّة العربيّة، وهي تتفرّج على هول المجرة!
وفي اليوم العالمي للشعر، اصبح شعر غزّة رمادا لسّد الجوع الذي يقتل الأطفال، وما صورة الطفل الذي بدأ بقضم قطعة الخبر وكان القصف أقرب إليه إلّا شاهدا على حقيقة الحياة في غزّة ومن مراجعة لديوان الشاعرة فدوى طوقان تعترف بعدم جدوى الكلمة التي لا تحمي أهلها، وأكثر الكلمات ملح ليس فيه أيّ نفع يعني محنة الضياع لفلسطين. من قصيدة طويلة لها عنوان "الفدائي والأرض" ص٥٠٤/
اجلس كي اكتب، ماذا اكتب؟
ما جدوى القول؟
يا اهلي، يا بلدي، يا شعبي
في هذا اليوم
هل احمي اهلي بالكلمة؟
هل انقذ بلدي بالكلمة؟
كلّ الكلمات اليوم
ملحُ لايورق او يزهر
في هذا اللّيل...
وهذه الكلمات تنقلها الشاعرة على لسان الفدائي فيها من الاستفهام عن فاعلية الكلمة، وربما أرادت الشاعرة ان تقبل من الفدائي رأيه وهي تعلم إنّ خاتمة الفدائي هي الشهادة. لأنّ بقية النص الثاني هو حوار بين الفدائي وامّه، وبينه وبين الحياة، حتى ينهي حواره بالموت. والديوان بطبعته قبل خمسة عقود، فقد تغيّر حال الأرض وصرخت غزّة من هول المعركة بعد إكتوبر ٢٠٢٣ووصل رماد الأرض بعد عمرانها إلى رجل غزّة في أيامه الأخيرة فاجاز حرق ديوان الشاعرة لأجل البقاء على الأرض، او أنّه سمع نص" الفدائي والأرض" من سنين خوالي وفية توصية من الشاعرة بخفوت الكلمةفعمل بما يراه من اجل لقمة قد تكون ليوم واحد، او اقلّ وهذا تصورّه ورؤيته ولما وصل له من حلّ. وقد ايَّد متابعو التواصل الاجتماعي عمله.
ومهما كان حجم الحدث، فإنّ الصوت الفلسطيني لم يخفت بعد تلك العقود، وإنّ الشاعرة فدوى طوقان قد انهت مرحلة شبابها شاعرة للارض المحتلة، وهي تعلم. بالمآساة التي ستستمر بعدها، ويستمرّ الشعر موقدا لا ينطفيء فكان ملحق جريدة الصباح الصادرة م في بغداد 18تشرين الاوّل/5795/ ٢٠٢٥عنوان "ابدا باتجاه فلسطين" قد جدد الأمل لأصوات في الشعر، والسرد من فلسطين انْ تعيد للكلمة وجودها، وللمأساة وصفها. يقول الشاعر جواد العقاد في نص"كسبت روحي الرهان" "" يُخيّل إليّ انَّ الكتابة تردُّ الموت... حين اكتب، اشعُرُ /كانني إحتضنت أطفال غزّة كلّهم/مرّة أخرى ايَّتُها الحرب كسبت روحي الرّهان/ ونص في الحوار للشاعر عمر ابو الهجاء "قال الشهيد..... قالت غزّة" "" انا جرس اللحظة/ موسيقى الطلقة/ والقصيدة الواثقة/ تموت الامنيات في الدواوين/قال الشهيد. .. قالت غزّة /الموت معراج الحياة/. وربما يكون عمل الرجل الفلسطيني ان تموت الامنيات في الدواوين من شاعر حديث. امّا الشاعر موسى حوامدة فينفي للمستقبل انتهاء اسم فلسطين من عنوان"لن ينتهي اسم فلسطين" "" لم ينته الكلام لاجدل/حبائل الصمت/وامشّط شعر اليقين//لم ينته الوقت لاكسر ساعة الزمن./لن ينته الكلام /لانشد الشعر في زوال الابد/وفي نصّ"غزة" للشاعر احمد ابو سليم ينحى الشاعر من سوداوية المشهد في غزّة بعد حرب الإبادة بإسلوب النهي في كلّ شيء/ لا تغسلوا امواتكم بالماء/قد غسل الرصاص ذنوبهم/لا تُشعلوا في ليلهم نارا تدفّىء بردهم/فالشمس تشرق فوق غزّة/كُلّ يوم... مرتين، وفي آخر النص يبيّن الشاعر بتورية بين الشمس الظاهرة وشمس الحريّة.
وفي السرد نص "اليوم الخامس للفجيعة" للقاص ناصر رباح(يتصّل خالد الناصري :ناصر كيف حالك؟ اكتب شهادتك عمّا يحدث صحيفة عراقيّة ستخصص ملفّا خاصا بالموضوع أمجنون انت يا رجل؟! بل من هو المجنون الذي سيطاوعك ويكتب.)وهذا النص يعبّر عن مساهمة الصحافة العراقية من خلال ملحق جريدةفي إيصال صوته من القتل والعجرفة الصهيونيّة. او يكتب القاص توفيق ابو شوم" "لم اتمكّن من توديع شقّتي(اعتذر لم اتمكّن من توديع شقتي. اعتذر لمكتبتي المشحونة بذكريات السنوات، لأنّ قائد طائرة الاباتشي منحنى انذارا محدودا بالدقائق لكي انجو بنفسي قبل أن يصدروا الحكم على شقتّي الصغيرة بالإعدام!! اعتذر لشقتي التي اشرفتُ على بناء كُلّ حجر من احجارها.) امّا ثيمة القاص توفيق فقد استنطقت الجمادات بعد قتل البشر في غزّة، وبدأ القاص بكلمة اعتذار والتي تدّل لما يتبقّى في الأرض من وداع لتوابيت كلّ ساعة.
لقد استطاع الشاعر الفلسطيني ان يؤكّد استمرار القضيّة الفلسطينيّة بما فيها غزّة /اكتوبر ٢٠٢٣، وإنّ الجرح قد توسّع على أرض فلسطين المحتلّة، وكذلك في السرد فية حالات من الظلم، والقهر، والذّل الصهيوني لعرب فلسطين، وهي من خلال هذا الملحق، او ما يُنشر لادباء فلسطين في الشتات قد يبعث جذوة النار عند الطفل، والشيخ، والطفولة، وام الشهيد حتى لا يبقى الرماد بلونه الفاحم شاهدا على ديوان الشاعرة فدوى والذي احترق.