نقطة ضوء
(مت.. قاعداً).. مجدداً؟
محمد صاحب سلطان
في عام 1997، قرأت مقالا ،حفر في ذاكرتي عميقا، كتبه الزميل العزيز الدكتور هاشم حسن التميمي،المعروف في وسطنا الصحفي بمهنيته العالية وصراحة قلمه مذ بدايته، نشره في صحيفة (نبض الشباب) الاسبوعية، بزاويته (أول الكلام)، ما زال عنوانه ماثلا أمامي، لغرابته وجرأته في آن واحد!، (مت..قاعدا)، تناول فيه ما آلت إليه أحوال المتقاعدين وظروفهم المعيشية والصحية في زمن حصار ظالم فرض على العراق ،شمل كل مقومات الحياة، وأطبق بفكيه المتوحشتين على الرقاب، وجراءه أصبح الراتب لا يتعدى سعر طبقة بيض وعلبة سكائر وشريط حبة أسبرين!.. عنوان الزميل هاشم الذي أثار إهتمام كل من قرأه آنذاك، دفعني اليوم بعد كل تلك السنين، لأعيد تكراره، بعد أن تغيرت الأحوال وتراكمت الأموال، واصبح النفط، يتدفق الى منافذ التصدير بملايين البراميل يوميا، والميزانيات الانفجارية تسد عين الشمس كما يقال!، كي أدخل في تفاصيل حياة هذه الشريحة (المتقاعدين)، الذين نحس بوجعهم، ووجع النقصان الذي لم يعد له تمام، فهي تمثل فئات المجتمع كافة، ممن خدموا بلدهم وأفنوا سنوات أعمارهم من أجل رفعته، عمال وموظفين، عسكريين وشرطة، معلمين واساتذة جامعات، أئمة وخطباء، صناعيون وزراعيون، صحفيون وأدباء وفنانون وغيرهم من الفئات المهنية المنتجة..ماذا نجد لديهم الآن ؟، غير الحسرة على عمر مضى وصحة تدهورت وبين مستقبل قلق لا يعرفون كيف يلجونه؟، بعد أن فتحت التكنلوجيا الحديثة ومواقع التواصل المباشر، العيون!، وبدأوا يقارنون أحوالهم، بأحوال أقرانهم من المتقاعدين في تلك الدول، فأولئك منحوا رعاية وضمان صحي شامل، ورواتب تكفيهم بما يجعلهم يتمتعون من دون حاجة لأحد هم وعوائلهم فضلا عن الرحلات ومشافي الاستجمام وامتيازات النقل والاماكن المخصصة للجلوس والإيواء، وفوق كل هذا وذاك مما لا يتسع مكان المقال لذكره، مكانة الاعتزاز التي يحضون بها لدا مؤسساتهم التي عملوا فيها وتقدير زملائهم الذين تسلموا راية العمل من بعدهم ،فيتذكرونهم في كل مناسبة حتى باعياد ميلادهم!، وغيرها الكثير ممن يوجع قلب من يتذكرها من متقاعدينا، الذين باتوا يتطلعون الى تحقيق أبسط شروط العدالة في مساواة بعضهم لبعضهم، فالمتقاعدون اليوم صنفان ،صنف ما قبل 2014 وصنف ما بعده، ولكل منهما سلم رواتب وقانون خاص به، حتى تباينت رواتب من هم في نفس الدرجة وفروقاتها بشكل لا يصدق،
علما إن إحتياجات المتقاعد في كلا الصنفين لا تتوائم مع تلك الرواتب الكسيحة، إذا ما قورنت برواتب (تقاعدية) لآخرين بعضهم لا علاقة له بالوظيفة واستحقاقات خدمتها،،أليس ظلما ،يا أولي الأمر، أن يأخذ من ليس له مستحقا خدميا، أمثال الدرجات الخاصة والنواب ومن على شاكلتهم،وبعضهم لم يكمل مهمته الصورية بعد ويخرج بتقاعد ضخم بأرقام فلكية ،فيما يترك المستحقون، يلهثون وراء منافذ التوزيع الشهرية، لاستلام (رويتب) قابل للنقصان كل مرة! ،فما يحتسب له شئ وما يستلمه شئ آخر..
فماذا يفعل المتقاعد وقد ضيقت أمراضه على حركته، وتعسرت أحوال عائلته، وإلى متى يبقى أولي الأمر، يلوون رقابهم نحو الجهة المغايرة للحقيقة، ولا يمنحون حق العيش بكرامة،للذي هرم الى درجة كبيرة أشبه بتفاحة ذابلة، وأضحى فردا لا يشبه نفسه، محبوس في مرآة تقاعده!،، ومتى تنصف شريحة هؤلاء النبلاء بقانون جديد يحترم شيبتهم، فضلا عن مراعاة ظروفهم الصحية ومتطلباتها، والبحث عن وسائل تبعد عنهم هموم العمر المتعب ،كي يقضوا ما تبقى لهم من هذه الدنيا الفانية في طمئنينة وراحة بال،، فهل من مجيب؟ هذا ما نأمله..