الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءة في رواية جمال العتابي

بواسطة azzaman

منازل  العطراني

قراءة في رواية جمال العتابي

محمد جواد فارس

الوطن ليس قطعة من الأرض و لا مجموعة من البشر ،

الوطن هو المكان  الذي تحفظ في كرامة الإنسان

                                                                                                               ليف تولستوي

 عندما يكتب مثقف عراقي من بلد الرافدين مثل الروائي جمال العتابي، يذكرنا بملحمة جلجامش  التاريخية لما فيها من سرد  جميل ، كما ورد في ترجمة طة باقر، لقد بدأت بقراءة  رواية العتابي، «منازل العطراني»، استعدت مع نفسي فطاحل الرواية الروسية الذين لهم منزلة في الأدب العالمي و منهم تولستوي في روايته «الحرب و السلام»، وكذلك أنطوان تشيخوف ومكسيم غوركي في رواية «الأم»  واستروفسكي في رواية «والفولاذ سقيناه» وميخائيل شولوخوف «الأرض البكر حرثناها»، إضافة إلى روائيين عالمين مثل فكتور هيجو الفرنسي في روايته «البؤساء» و الكاتب الكولومبي غابربيل غارسيا ماركيز في روايته المشهورة «مئة عام من العزلة»، وهناك كتاب عراقيين  سطروا بأقلامهم قصص في الواقعية الاجتماعية، جسّدت رواياتهم لتاريخ ، من أمثال، ذونون ايوب وغائب طعمة فرمان وفائز الزبيدي وشمران الياسري ومحمود البياتي وغيرهم ، سقت هذه الأمثلة لأقول أن الرواية تجسد لنا التاريخ بصفحاته من خلال شخصيات لعبت أدوارًا كبيرة هنا وهناك ، و اليوم ومن خلال قراءتي لرواية الصديق جمال العتابي، يمكنني أن أضعه في خانة الروائيين العراقيين، إضافة إلى مساهماته النقدية العديدة.

احداث تاريخية

رواية ( منازل العطراني ) تبني أحداث شخصياتها التي لعبت أدوار مهمة ، بلا أسماء صريحة، ولكنها تشير لتاريخهم و معاناتهم، ونجد أنها واقعية في احداثها التاريخية ، حيث تسلسل احداثها منذ ايام حكم عبد الكريم قاسم اي بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، وتتعرض لحياة مناضلين دخلوا السجون وذاقوا صنوف الاضطهاد، وخصوصًا بعد انقلاب الثامن من شباط 1963  الدموي، وبطل هذه الرواية هو شخصية محمد الخلف، البطل الذي هرب من السجن عند وقوع الانقلاب، و انتقل إلى ريف الكوت ليختفي في بيوت متعددة .

وعلى الرغم من تكتم الروائي عن ذكر بعض الأسماء الحقيقية، لكن المتابع لتاريخ العراق الحديث لهذه الفترة ، يمكنه أن يستدل على تلك الشخصيات وأسمائها الواقعية الصريحة.وكان هاجس الخوف لدى عائلة بطل رواية  محمد الخلف قائمًا في تنقلاته  من مكان لآخر بسبب من أن الانقلابين أقاموا نقاط تفتيش في خارج المدن و لديهم اسماء المطلوبين للسلطة،  فكتب العتابي يقول [ أحذر يا محمد أن تصدر  عنك اية كلمة تكشف عن هويتك و انت بلا هوية تعريف إياك  الكلام ! في الصمت النجاة، أنه لغة التفاهم، ومملكة الإنسان السرية الداخلية، في بلدنا يقتل الصمت، ينتزعوه منك بالتعذيب، بقلع العيون والأظافر وبالاغتصاب ]، وكان ذلك بمثابة مونولوج داخلي.

  وهنا نقرأ  أن السجين الهارب إلى الحرية، عليه الالتزام بعدم كشف هويته من خلال  كلمة يقولها، أضافة أن  التحذير يأخذ صورة بالتعذيب القاسي والذي فعلا  تم  في التحقيق ويبشع الكاتب التعذيب الذي كان يتم في غياهب السجون التي فتحت أمام  معتقلي الرأي.ويذكر العتابي كيف كانت معاناة شخصية بطل الرواية محمد الخلف، فضلًا عن آماله في الانتقال إلى برلمان وإنهاء الحكم العسكري، و لكن العكس ما حدث حيث زجت الحكومة بالسجون عدد غير قليل من المناضلين رفاق محمد الخلف، وهنا يسرد الكاتب موقف محمد الخلف، الذي كان يستمع إلى الراديو الشغال على البطارية في نشرة اخبارية  محلية، الحكم عليه غيابًا، فقد قرأ المذيع  مجموعة قرارات في الفقرة الثالثة من النشرة جاء فيها :

1- حكم المجلس العرفي الأول غيابيًا على ( المجرم ) محمد الخلف بالحبس الشديد  لمدة 5 سنوات ، لهروبه من السجن،

 2- قرر المجلس غيابيا الحكم على ( المجرم ) محمد الخلف بالحبس لمدة سنة واحدة مع وقف التنفيذ لتحريضه المتظاهرين على مهاجمة مركز شرطة الغازية (النصر)، يوم 14 تموز 1959 , مع غرامة نقدية قدرها الف دينار ، لدوره في التخطيط للهجوم و توجيه اتباعه للتنفيذ ، ثم سفره ليلة وقوع الحادث الى العاصمة لإبعاد الشبة عنه. 3- حكم المجلس على المجرم الهارب محمد الخلف غيابيا بثلاث سنوات سج ، لمشاركته التظاهرات المطالبة بوقف القتال في شمال العراق عام 1962 على الأجهزة الأمنية  كافة تنفيذ الأحكام حال إلقاء القبض عليه، وتسليمه لأقرب  مركز للشرطة ].

وجدت أن الراوي يجسد في عائلة محمد الخلف معاناة الكثير من العوائل العراقية  في تلك الحقبة الزمنية من تاريخ العراق.

 تتمة الموضوع على موقع (الزمان) الالكتروني

 

 

 

 أي ما بعد ثورة الرابع عشر من تموز وحكم عبد الكريم قاسم مرورا بانقلاب  شباط الدموي و ما بعده انقلاب الثامن عشر من تشرين بقيادة عبد السلام عارف و من بعده استلام أخيه عبد الرحمن محمد عارف لرئاسة الجمهورية و حتى انقلاب 17 تموز 1968 واستلام البكر وصدام للسلطة و ما رافقه من العفو عن السجناء السياسيين و إعادتهم إلى وظائفهم باستثناء العسكرين، وما بعدها قيام الجبهة الوطنية والقومية التقدمية 1973 - 1978 وانهيارها وما رافق الانهيار من قتل وتعذيب للشيوعيين الذين بقوا في الوطن، والمقابر الجماعية ، والحرب الإيرانية العراقية وجثث الشهداء، وغيرها من الحروب.

وعن الاضطهاد الداخلي و ما رافقه في زمن الجبهة و بعد فرطها من قبل الحليف ، نجد أن ام خالد  كأي ام عراقية عانت من الاضطهاد وزيارات زوار الفجر إلى منازلهم ، و اخذ فلذات أكبادهن إلى المصير ا لمجهول وتغيبهم و استشهادهم.

 يكتب الراوي في سرديته  النص التالي عن دور ام خالد [ يشعر خالد بالوحدة في وقت الغروب لدرجة لا يمكن احتمالها، خطفوا عامر، اختفت أخبار ضياء، إذ  ذاك تلتقي عيناه بعينين متسائلتين من النافذة المقابلة يثب مذعورا : كنت أسهو مثل طائر لأيام عديدة لا انام، كانت أمي أقوى الآمال التي تشدني إلى الثبات ، لم أكن  أريد أن أرى أحدا أو اسمع صوتا، هاتفني أبي اتفقنا على اللقاء في المقهى ، كنت أرى في وجهه بعد غياب علامات من الارتياح، كان ينظر إلى الأمام ، ثمة شيء كالنور  ينبثق  من داخله ، فيضطره  إلى الابتسام، يفك أساريره : اخيرا أصبح معلوما لدي مكان ضياء ].

وفي الرواية يسرد الراوي حول موقف بعض القوى اليسارية  و الانقسامات  الدائرة، بما فيها في الحزب الواحد، تأثيرها على موقف اليسار من تنفيذ برنامجه  النضالي والحفاظ  على كوادره.

وأقول أن الشخصيات المناضلة في رواية جمال العتابي ، تذكرني بما انشده الشاعر مهندل مهدي الصقور  بحق المناضلين  قائلا :

أتظن انك قد طمست هويتي / ومحوت تاريخي و معتقداتي/ عبثا تحاول/ لا فناء لثائر / أنا كالقيامة ذات يوم ات.

وأناشد المثقفين المهتمين قراءة الرواية، لما فيها من سرد فني جميل لتاريخ العراق منذ الستينيات في القرن الماضي على الأقل، علمًا بأنها من منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق 2023.

                                     

طبيب و كاتب


مشاهدات 445
الكاتب محمد جواد فارس
أضيف 2024/01/05 - 3:30 PM
آخر تحديث 2025/03/05 - 1:41 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 142 الشهر 2272 الكلي 10463221
الوقت الآن
الأربعاء 2025/3/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير