نقطة ضوء
خطاب دعائي مسموم
محمد صاحب سلطان
ليست الذاكرة بقادرة على إختزان كل ما يمر به المرء، من احداث يومية تصادفه، أو مواقف قد يتعرض لها، فهي ليست قرصآ مدمجا، تعاد وقائعه كلما إحتجنا لذلك، بل للزمن وتقادمه، أحكامه الخاصة، وبحسب طبيعة تلك الأحداث ومقدار تأثيرها عليه، فالكثير منها قابل للإندثار والنسيان، جراء الجهد اليومي المربك الذي نعيشه، حتى بات الواحد منا، ينسى ماذا تعشى أمس!، لإنشغاله بهموم متلاحقة تفسد عليه سويعات يومه، التي غالباً ما نستوعب كيف عشناها وكيف تجاوزنا كوابيسها، بيد ان اللصيق منها، يقتصر على ما نريد فعله، حتى تبدو لبعضنا، وكأن (ممحاة) كبيرة، فعلت فعلها في مسحها، فلا تختزن سوى الصور الباهتة لوقائع مضت، وكأنها حلم تتقاطع أحداثه، زمانيا ومكانيا، وما يبقى منها لا يمثل سوى نقاط يصعب تجميع تفاصيلها.
وقبل أيام تواصلت مع صديق قديم ،إنقطعت أخباره عني، كان مثالا للشاب الممتلئ نشاطا وحيوية وطموح، من الذين يسعون لحرق الزمن كي يصلوا إلى ما يصبون إليه من طموح لا يقف عند حد ، سواء في الدراسة أو العمل، بل كان يتميز عن الكثيرين من أقرانه بالمثابرة الجادة وتطوير الذات، كلامه صادق يدخل القلب من دون إستئذان، بل يصفه بعضهم ضمادا للجرح، همه الأول والأخير، خدمة البسطاء ممن يبحثون عن لقمة عيش كريمة وهواء حرية غير منقوص، عبر تحقيقات إستقصائية قام بها منذ كتاباته الأولى في الصحيفة الطلابية التدريبية لقسم الإعلام بكلية الآداب-جامعة بغداد، ومن ثم بقي على ذات المنوال لاحقا في في أكثر من صحيفة وموقع عمل بها، قلبه لا يعرف الكره، ولسانه لا ينطق الرياء، فيما آخرون عاشوا زمنهم، على وفق ما تشتهيه رغائبهم، حتى لو كانت تتقاطع مع توجهات أقرانهم، والصعود على أكتاف غيرهم، مصالحهم هي الأولى حتى ولو كانت على حساب غيرهم، عاشوا زمنهم بين الضغائن والأحقاد والحسد، فكانوا يبدؤون أيامهم بما يؤذي لا بما يطيب خواطر الآخرين، متناسين حقيقة تفاهة العمر ورخص سنينه الذي نقضيه بين الآه والونة، فكانوا يبددونه على الصغائر وأنانية أصحابها من ضعاف النفوس.
وبرغم طول فترة الفراق، وجدت هذا الصديق، وكأنني تركته أمس، البهاء نفسه، والألق والثقة نفسها بما قدم و يقدم، لم يتغير فيه شئ، سوى عوارض الزمن الصحية وما إختطه من مشيب زاده هيبة ووقار!، ملتصق بقضايا الفقراء المبتلون بالجوع وسد رمقه ويبحثون عمن يستر عورته، بكفاح معيشي يواصل ليله بنهاره. يقول صاحبي، أحس بإن الموضوع الذي سأتطرق اليه معك وأريد معاونة قلمك، فيه من الضيق والأختناق الشئ الكثير، لأن موضوعه بقدر ما هو حساس، أراه مثل بقعة قيح تجمعت تحت جلد مجتمعنا، نخشى أن تكبر، ولا بد من إخراجها حتى نرتاح من علتها، تلك هي آفة الطائفية المقبورة التي تحاول العودة عبر (ثقوب) يسعى البعض من سياسي الصدفة، حفرها في الجسد المجتمعي، لإهداف وأغراض مريضة، مستغلين قرب حلول موعد الإنتخابات النيابية، فهم بلا برامج صالحة لديهم، لا يفقهون سوى بالخراب وإكتناز المال الحرام، سلاحهم فقط -التخندق الطائفي- والضحك على ذقون البسطاء، كثير منهم، عشعشوا في دورات سابقة من دون أن نراهم إلا في المناسبات، وباقي عمرهم النيابي يقضونه في سبات، مثل خفافيش ليل لا تعيش إلا في الظلمة!، وهذا يتطلب من الفئات المثقفة والمتعلمة، فضح ومقاتلة نوازعهم الشريرة، ونبذ روح التنابز الطائفي بخطابه الدعائي المسموم الذي يرومون تفشيه بين أركان البيت الواحد، فحذار حذار من تلك الآفات السامة، واللعنة على من يؤيدها، ويفتح لها مسامات نفوذها نحو جسدنا، الذي بدأ بالتعافي من خبث أفعالهم، في محاولة يائسة لتدمير بنيتنا المجتمعية المتماسكة.. عافانا الله وإياكم من خطابها الطائفي اللعين!.