الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ترامب وخطاب الإنكار

بواسطة azzaman

ترامب وخطاب الإنكار

محمد علي الحيدري

 

خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أعاد طرح سؤال مركزي حول حدود النظام الدولي في مواجهة الانحياز الأميركي المطلق لإسرائيل. لم يكن خطابًا عابرًا بقدر ما كان إعلانًا صريحًا عن عودة نهج “أميركا أولاً”، بما يحمله من نزعة تصادمية مع التعددية الدولية، وإعادة تعريف لقواعد اللعبة في الشرق الأوسط على نحو أكثر خطورة.إذ لم يكتفِ ترامب بمهاجمة المنظمة الأممية، بل ذهب إلى نزع الشرعية عن أي اعتراف بدولة فلسطينية، واعتبار الخطوات الأوروبية الأخيرة في هذا المجال “مكافأة لحماس”. هذه اللغة لم تكن مجرد موقف تكتيكي في لحظة انتخابية أو تفاوضية، بل تكشف رؤية استراتيجية تستند إلى إعادة اصطفاف دولي يتجاوز ملف غزة إلى إعادة ترتيب ميزان القوى في المنطقة. فالخطاب جاء متزامنًا مع تصعيد عسكري إسرائيلي دموي، راح ضحيته عشرات المدنيين في يوم واحد، في وقت يواصل فيه الحصار والغزو الأرضي حصد الأرواح وتدمير المجتمع الغزّي.خطورة ما قاله ترامب تتجلى في مسارين: الأول، تأكيد الدعم غير المشروط لإسرائيل تحت شعار “السيادة الكاملة”، وهو ما يضرب أساس أي إمكانية لتسوية سياسية عادلة. والثاني، التلويح بعودة سياسة “الضغط الأقصى” على إيران، بما يعنيه من تهديد مباشر لاستقرار الخليج وإجبار دوله على إعادة التموضع بين واشنطن من جهة، وشركاء محتملين كروسيا والصين من جهة أخرى.في المقابل، بدا الانقسام الدولي واضحًا: إشادة من بعض الساسة الأميركيين الذين اعتبروا الخطاب دفاعًا عن “السيادة”، مقابل انتقادات أوروبية ولاتينية حذرت من انهيار التعددية وشرخ النظام الأممي. وبين الموقفين، ظل الفلسطينيون – ومعهم الرأي العام العربي – يواجهون مجددًا لحظة إنكار تاريخية: حقوقهم تُمحى من الخطاب الأممي، بينما يُرفع شأن الرهائن الإسرائيليين كقضية وحيدة تستحق الالتفات.الأمم المتحدة، التي تأسست أصلاً لضمان السلم والأمن الدوليين، وجدت نفسها في قلب أزمة مصداقية متجددة. فإذا كان أكبر ممول لها يشكك في جدواها ويتعامل معها كمنصة لإملاء المواقف، فذلك يفتح الباب على سيناريو أخطر: أن تتحول التعددية الدولية إلى غطاء هش لسياسات القوة، حيث تغيب العدالة ويعلو منطق الغلبة.إن خطاب ترامب ليس مجرد حادثة بروتوكولية في نيويورك، بل علامة على أن النظام الدولي يدخل مرحلة أكثر التباسًا، حيث تصبح فلسطين – مرة أخرى – الضحية الأولى لإنكار القوة، وحيث يتحول الصراع على غزة إلى مرآة تكشف هشاشة الشرعية الأممية أمام هيمنة الدولة العظمى.

 


مشاهدات 67
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2025/09/26 - 5:40 PM
آخر تحديث 2025/09/27 - 2:23 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 67 الشهر 19304 الكلي 12037177
الوقت الآن
السبت 2025/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير