أنا لا أحبُّكِ
وجيه عباس
اسرج عيونك واطفيء القنديلا
ودع الأصابعَ تستفيقُ ذهولا
خلِّق بطينِكَ عالماً تأوي له
فعوالمُ الدنيا تراك نزيلا
كن نفخةً في الصُوْرِ توقظُ سادراً
إنَّ الضميرَ يدقُّ فيكَ طبولا
لاتعجلَنَّ بها مسيرَك إنَّما
سارت بك الدنيا هناك عجولا
قايستَ نفسَكَ بالكثيرِ فلم تجد
كفوا هناك، وكان فيك شكولا
ماذا تريد ؟الريحُ تعبثُ بالخطى
وارى جهاتك ضعن فيك طويلا
وارى بوحشتك الغريبَ مُوزَّعاً
يطأ الخطى عرضا هناك وطولا
كل الوجوه تدور حولك وحدها
مثل اليتيم، وكنت فيه كفيلا
حتى ثيابك غربة وأضعتها
ورجعت وحدك عاريا مخذولا
حتى عيونك كن فيك فضائحاً
ذهب العمى في ناظريك ذبولا
وخطاك أثقلها المسيرُ كأنما
جبل يسير ويستزيد حُمولا
ما أنت والبلد الغريب سوى الصدى
وارى ظلالك في الحروف عليلا
*****
اوقد لظى الجمرات بين ضلوعها
فلأنها كانت هناك فتيلا
وتقرَّ وجهَك سوف تبصر آخراً
حتى المرايا أنكرته قبولا
عرفته فيك عوالمٌ مخفيةٌ
وأراه مابين الورى مجهولا
قد كان يقتل بالحنين معاشراً
والآن أبصره به مقتولا
□ □ □
قدماك أم عيناك فيك تسابقا
بهما أضعتك في الوجود سبيلا
وأضعت وجهك من يدلُّ على الذي
تؤوي وينكره هناك خجولا
من ذا سيعثر بي فيهديني به
معنى يشابهني به مجعولا
□ □ □
ياحاملا بالصمت كل حروفه
وأعيذ ظلك أن يُرى محمولا
وأعيذ صبرك أن يُذالَ وأنت من
ترك الصدى في الاصطبار ذليلا
كان الفداء لدمع عينك كلما
مرت بك الدنيا تراه هزيلا
يابن البكاء وللعيون منابعٌ
من كربلاء إذا جرين مسيلا
فاضت، ولست بمانعٍ جريانَها
وسواك من حجرٍ تخلق غولا
وعليُّ أسكن وحشتيك بحزنه
فيها، وفاطمة روتك غليلا
قد كنت عبدهما هناك وإنما
دمعي على عينيَّ كان رسولا
□ □ □
ياترجمان الحرف لست بناطق
إلا وتملؤها هناك خيولا
ويكاد يوثقك اللجامُ إذا استوى
فتكاد توسعه هناك صهيلا
جسدٌ وتأكله الحروف مُضيَّعٌ
وأرى دماه بهامِهِ اكليلا
وصليبُه يخضرُّ في مسماره
ويداه تحملُ دونه إزميلا
وأراك تُهلكُ أمَّةً في عارفٍ
ويرونه في غربتيه جهولا
هو آدمٌ بثيابه لكنهم
نظروهُ بين عماهُمُ قابيلا
وكأنما الغربات فيك نبوَّةٌ
لم تُورث القرآن والانجيلا
لكن ورثت اليتم إنَّكَ مُفردٌ
ويرى الكثير بهم هناك قليلا
لا صالحٌ بثمودَ كنتَ وإنما
نظروك إبرهةً وكانوا الفيلا
هم يسألونك قدرَهم لكنما
تعطي بقدرِك في النوال جزيلا
لم تلتفت عيناك نحو وجوههم
يكفيك أن كانت خطاك وكيلا
*****
ياوحشة السور الطوال معادنا
مذ كان سيفك في الوجود صقيلا
ومجالِداً وجه الزمان وإنما
عقم الزمان بأن يراه ملولا
وبأن خاتمة القوافي عنده
لكنَّهُ لمّا يكنْ ضِلّيلا
ثبتٌ إذا رجف الشجاع لأنَّهُ
هامٌ يكفِّرُ ماسواه ذيولا
هجر التطرُّفَ حدَّ أنَّ قبيحَهُ
حَسَنٌ، وكان بأصغريه جميلا
قد جاء من زمنٍ أَحَبَّ حضورَه
والان في زمن يراه ثقيلا
وأرى الغيابَ يحوطُهُ لكنَّهُ
كان الحضور مراجِعا وأصولا
قَدَراً وكان مُعجَّلاً فلأنَّهُ
كان المَحَكَّ بطبعِهِ تعجيلا
قد كان يُرضيه الرغيفُ ببلغةٍ
لكنه بالشعر كان بخيلا
□ □ □
وَبُليتَ بالأشباه لست تميزهم
وتشابهوا في مقلتيك عجولا
يتصاغرون وأنت تعظمُ حدَّ أن
أبصرت ظلك فيك كان دخيلا
ما اخترت ظِلاً إذ وقفت وإنما
الاضواءُ تسعى نحو ظلِّكَ مِيلا
فتكاد تشرق فيك حد تمايلت
وكأنها تهدي لك التقبيلا
لا غرو أن جعلوك خامس خمسةٍ
في الشعر يحدو الفاضلُ المفضولا
ولأنت فيهم بالقياس وإنما
اقصى المدينة كنتَهُ تأجيلا
ما أنت إلا رزقُ غيرك إنَّما
تجري على كفيك فيك نزولا
وَتَذمُّ ممن قد رزقتَ كأنما
الإحسان ان كان العقوقُ بديلا
*****
أنا والمدينةُ عاطلان فأيُّنا
كان الشتاءَ بغربتيه فصولا
ويداك أغصان تُمدُّ ومقلةٌ
عمياء يمطرها الحنين هطولا
أفنيتُ فيك العمرَ أرسمُ جنتي
وأراك فيها عالَماً مأهولا
افردتني وانا الكثير فما ارى
حولي بكونِك صاحبا وخليلا
وبأنَّكِ النيرانُ لست أعدُّها
اذ توقديها بكرة وأصيلا
كنت ابن دنيا غيرها ولعلها
أم ولكن اثقلتك غلولا
حتى كفرت بحجرها وهجرتها
ورميت احجاري بظهرك قيلا
انا لا أمثل فيكِ دورَ بطولة
فلانني لا أُحسن التمثيلا
قدماك تنكر في المدينة ظلها
او تستعير وجوهها لتقولا
لا أنت لي وطنٌ اضعت جهاته
فأعود او أُهدى إليكِ سبيلا
وانا المضيع فيك حسب يقينه
ويقينُهُ الا يراك دليلا
اني اعتزلتك في الحياة لانني
اوجدت معنى ان اراك عذولا
وبان هذي الشاهقات مقابر
والناس موتى في الحياة الاولى
□ □ □
يا أم كل بدايةٍ ونهايةٍ
بهما أضعت الفعل والمفعولا
وهما اللتان توافقا وتخالفا
في الحالتين رايتني معزولا
أمسيتُ”ما”ودمي الخسارُ يفيضُ بي
لم أعدُ اسماً فيهما موصولا
أنكرتني عند الفطام كأنني
سبيٌ وجيء به إليكِ ذليلا
أنا لا أحبك لست لي أماً بها
حسب التغرب أن أراك مقيلا
وبأن راحلتي تُؤذِّنُ والصدى
هو من يُؤذِّنُ في الرحيل رحيلا
وتركتُ وجهك إن أهلك غربةٌ
وكأنَّهم يتوارثون قبيلا
جيلٌ يُورِّثُ ماتلاه عداوتي
ويورث التالي هنالك جيلا
انا لا أحبك قدر معرفتي باني
كنت في معنى الغرام جهولا
وسواد وجهك انني اعمى فلم
ابصر، وكنت بمقلتيه نصولا
اسلمتني للريح توسع مركبي
غرقا، وكنت على الشراع سيولا
ورأيتني وحدي هناك كأنني
فيك الغريب تلفتا وشكولا
من كنت ادفع ضرَّهم بمساءتي
امسوا عليَّ عناتراً وفحولا
كنت الفداء لهم وكانوا يُتَّماً
وتنطعوا بدمي وكنت قتيلا
قد كنت موسى في عصاه وانهم
كسروا به التنزيل والتأويلا
وتنابزوا حد التوحش انهم
فرعون إذ يغشى بني اسرائيلا
أنا فيك طلَّقتُ المَقامَ ثلاثةً
لا ابتغي عودا ولا تأجيلا