الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
" أنا وغربتي " للكاتب والمترجم  أحمد جاسم الزبيدي


" أنا وغربتي " للكاتب والمترجم  أحمد جاسم الزبيدي

رشاد صالحي

 

      نحن بصدد تقديم كتاب وجدانيّ أكثر منه كلمات مرصّعة، وروحيّ أكثر منه إبداعي، وحنين تزيّنه خبرة سنين طويلة، من الكدّ والجدّ، والعلم والعمل، والفرح والحزن، والوحدة والأنس، هذا هو كتاب " أنا وغربتي " للكاتب والمترجم  والصحفي، أحمد جاسم الزبيدي* .

      ولعل غلاف الكتاب ، يحكي لنا الكثير عن هذا العمل قبل أن نلج عوالمه، فقد أبدع الفنان يحيى الشيخ  في محاكاة زوايا العمل ومراحيه في لوحة الغلاف ، فنجد تلك الوجوه المتفرقة التي تشبه الأقنعة، مقلوبة ومتجنّبة، متقابلة ومتضاربة، متوادّة ومكشّرة، متعانقة بالجسد أحيانا، وأحيانا أخرى بالروح، مسودّة قليلا وأحيانا بيضاء صافية، متوشّحة رماديا خفيفا ، أو قاتمة سوداء داكنة، فقط لونان يصنعان حكاية هذا العمل، أمل مشوش وسلام قلق، تمثّل في لون ممزوج بين البياض والسواد ، كاملا في بعض الأوجه، متخللا السواد في بعضها، فراغ عميق، ثم منطقة اللّا لون، سواد قاتم وظلمة، تلك الحفرة في القلب التي تمثّل غربة النفس ولهفة العودة وصراع الاندماج - كما وصف ذلك المفكر الفلسطيني الأمريكي "إدوارد سعيد" ، في كتابه: " خارج المكان" عندما وصف الصراع بينه وبين نفسه المغتربة وهو المغترب الهجين، ففي فلسطين موطنه الأصلي هو بالنسبة لهم أمريكي، وفي أمريكا منفاه وموطنه الثاني هو عربي فلسطيني، فهو دائما يبحث عن المكان، ولا يشعر أنه فيه - لكننا نلمح بين سطورها، ذلك اللون الأزرق المضيء، يتخلّلها كما يتخلّلنا الأمل والارتياح، ويعطينا تلك القوة والإسرار والرضى والسكينة، والعمل الذي سيحقق كل ذلك.

      خطّ العنوان العريض وتشكل لفظة " غربتي " وعظمتها أمام اسم أحمد جاسم الزبيدي، بالخط الرفيع، يدل - لامحالة - إلى عظمة هذه الغربة في نفسه، وعظمة ما يشعر به، فيكتبه ويترجمه، ليحوّل كل هذه الأحاسيس إلى إبداع ذا فن ومعنى.

      أما عن الكتاب وما حوى من مشاعر فرح، وحكمة وفن، وحزن وحنين وأمل، ومن ثقافة وخبرة ونبل حرف، فإنه يمس أرواحنا قبل أذواقنا، وقلوبنا قبل أسماعنا، ويأخذ كلا منّا إلى عالمه الداخلي الفسيح، وإلى ذكرياته الغابرة ومشاعره المتفرقة، كفصول سنة متنوعة، مسبلة ومزهرة وقاحلة، خاصة لفظة "محاويل" التي تكررت عبر صفحات الكتاب، والتي ترمز إلى كل هذه المشاعر الجياشة وروح الانتماء، ذلك الرابط إلى الأصل الذي يشبه الحبل المتين، أو ذلك الخط الذي ينسج حبات هذا العمل ويزينها بروحه، فهي في الحقيقة موطنه الأصلي، قطعة من عراقه الجميل أين قطعت سرته ولم ينقطع حبله.

      ولعلنا لا نعلم ماذا نسمي هذا الكتاب وما جنسه، أهو ديوان شعرلما حواه من زخرف حرف وطرز ونظم، سواء أكان ترجمة أو إبداعا شخصيا، أو نسميه كتاب قصة قصيرة، لذلك الكم الهائل من القصص القصيرة والمعبرة التي لا يتعدى حجم كل واحدة منها صفحة أو نصف صفحة، ولكنها تحمل معاني كتب ضخمة، من بلاغة وفراسة وحكمة، في عدد قليل من الكلمات، أو نسميه رواية شاب عاش أكثر من ستين سنة ولم يشخ بعد، لأن صاحب الحرف لا يشيخ.

      فهو إذا إبداع لجنس أدبي يجمع بين السيرذاتي والخاطرة والحكي والشعر، مشكّلا بذلك سمفونية عراقية عربية، عاشت في أحضان عوالم كثيرة من هذا العالم الفسيح.

      صبغة هذا العمل أنه متنوع ثري، يجذب القارئ ولا يصيبه بالملل، فكأنه برنامج متنوع، مرح مفيد وجدي، أو كأنه مسلسل أدمنت أحداثه، فلا تريد له أن ينتهي، كما يميزه أيضا الصدق في نقل الحقائق، والعفوية في سرد الأمور، وتنوع الحرف بين نقش وتطريز وترقيع وتوقيع.

 


مشاهدات 43
أضيف 2025/11/17 - 3:51 PM
آخر تحديث 2025/11/18 - 2:53 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 82 الشهر 12658 الكلي 12574161
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/11/18 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير