الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
مستقبل السلام في أوكرانيا.. بين طموح ترامب وتحدّيات الدبلوماسية

بواسطة azzaman

مستقبل السلام في أوكرانيا.. بين طموح ترامب وتحدّيات الدبلوماسية

محمد علي الحيدري

 

في قمة ألاسكا الأخيرة، بدا المشهد وكأن العالم يقف عند منعطف فارق. فبينما حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يقدم نفسه بوصفه رجل الصفقات الكبرى، خرج مبعوثه ستيف ويتكوف بتصريحات عن “ضمانات أمنية” محتملة لأوكرانيا، تشبه من حيث المبدأ المادة الخامسة من ميثاق الناتو. وقد عُدّت هذه الخطوة غير مسبوقة في مقاربة إدارة أمريكية مع روسيا، خصوصًا أن فلاديمير بوتين وافق مبدئيًا على مناقشتها. ومع ذلك، فإن السؤال الأعمق يظل مطروحًا: هل نحن أمام بداية طريق نحو سلام دائم، أم أمام مناورة سياسية جديدة في لعبة كبرى لا تنتهي؟

السياق لا يقل تعقيدًا عن مضمون المبادرة. فمنذ الغزو الروسي الشامل في فبراير 2022، استنزف الصراع الأوكراني موسكو وكييف على حد سواء، فيما عانت أوروبا من ارتدادات اقتصادية وأمنية متواصلة. ترامب، المعروف بعدم صبره على الملفات الطويلة، بدا مستعجلاً لإيجاد مخرج سياسي، بل وهدد بعقوبات ثانوية على دول كبرى مثل الهند والصين إذا واصلت شراء النفط الروسي. لكنه لم يحصل بعد على ما يوازي هذا الضغط من تنازلات ملموسة، إذ فشلت القمة في تحقيق وقف فوري لإطلاق النار، ما فتح الباب أمام تساؤلات حول فعالية أسلوب “الصفقة” في مواجهة نزاع معقّد كهذا.

خبرة سياسية

إلى جانب ذلك، تواجه إدارة ترامب معضلة في إدارة الملف الدبلوماسي نفسه. فالمبعوث ويتكوف، رجل الأعمال الذي يفتقر إلى خبرة سياسية، أثار ارتباكًا في أكثر من مناسبة بتصريحات متناقضة حول نوايا الكرملين. الانتقادات التي وجّهها دبلوماسيون سابقون مثل مايكل مكفول لا تعكس مجرد تحفظات شخصية، بل تكشف خشية أوسع لدى الحلفاء الأوروبيين من أن يفضي الأسلوب غير التقليدي إلى إضعاف الموقف الغربي الموحد في مواجهة موسكو.

أما مضمون “الضمانات الأمنية” التي يجري الترويج لها، فيبدو حتى الآن أقرب إلى فكرة طموحة بلا تفاصيل تنفيذية. فهل يمكن الوثوق بروسيا في الالتزام بتشريعات تمنعها من الاعتداء على جيرانها بعد اتفاق سلام؟ هذه الضمانات، التي وُصفت بأنها شبيهة بالمادة الخامسة من ميثاق الناتو، تعني أن أي اعتداء على أوكرانيا سيُعتبر هجومًا على الولايات المتحدة وحلفائها، ما يضع التزامات دفاعية جماعية على الطاولة. ومع ذلك، يظل الغموض يكتنف التنفيذ، ما يضع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام امتحان عسير مع اقتراب لقائه بترامب في واشنطن، حيث سيكون عليه الموازنة بين الرغبة في ضمان دعم غربي دائم وبين الخشية من تقديم تنازلات قد تُضعف شرعية نضاله أمام شعبه.

القلق الأوروبي واضح بدوره. فحضور قادة مثل ماكرون وستارمر إلى واشنطن يهدف إلى منع انفراد ترامب بالقرار وضمان ألا يتحول مسار التفاوض إلى مقايضة على حساب أوكرانيا. كما أن تسريبات عن احتمال قبول واشنطن بتسويات تمس وحدة الأراضي الأوكرانية، أو منح موسكو وضعًا مهيمنًا في الشرق، أثارت تحذيرات من أن السلام المنقوص قد يتحول إلى نموذج لتجميد النزاعات بدل حلها، بما يعيد إلى الأذهان سوابق تاريخية لم تُنتج إلا جولات جديدة من الصراع.

في المحصلة، تكشف قمة ألاسكا عن لحظة سياسية يتداخل فيها الطموح الشخصي لترامب مع حسابات جيوسياسية معقدة، حيث تتقاطع رغبة واشنطن في إنهاء الحرب مع تطلع موسكو إلى تثبيت مكاسبها الميدانية. غير أن السلام الحقيقي، إذا كان له أن يُبصر النور، لن يُقاس بالتصريحات ولا بالضمانات النظرية، بل بمدى التزام الأطراف جميعًا بترتيبات أمنية واضحة وقابلة للتنفيذ، وباستعداد الغرب لدعم أوكرانيا حتى لا يتحول أي اتفاق إلى مجرد غطاء لهدنة هشة. الطريق ما زال طويلًا وشائكًا، وما بين طموحات البيت الأبيض وحسابات الكرملين، يبقى مستقبل أوكرانيا مفتوحًا على احتمالات متناقضة، يتأرجح فيها الأمل والقلق على حد سواء.

 

 


مشاهدات 225
الكاتب محمد علي الحيدري
أضيف 2025/08/18 - 4:09 PM
آخر تحديث 2025/08/19 - 11:49 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 411 الشهر 13518 الكلي 11408604
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/8/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير