الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
سيادة القانون خط أحمر . . والدولة لا تُدار بعُرف الدگة

بواسطة azzaman

سيادة القانون خط أحمر . . والدولة لا تُدار بعُرف الدگة

حيدر صبي

 

شكّلت الحوادث الأخيرة المُمَثلة بالإساءات العلنية التي وجّهها السياسي العراقي غالب الشابندر إلى شخص رئيس مجلس الوزراء السيد محمد شياع السوداني ووالده الشهيد رحمه الله ، نقطة تحول خطيرة في مسار الحياة السياسية والإعلامية العراقية ، فهي لم تكن مجرّد تجاوز لفظي أو رأي حاد خرج بلحاظ غضب غير مسيطر عليه قدر انه مثّل انموذج دالّ على ( اختلال المعادلة بين حرية التعبير وسيادة القانون وغياب الضوابط التي تحكم الفضاء العام ) في نظام ديمقراطي ناشيء ما زال في طور التشكّل .

جوهر الإشكال لا يكمن في ممارسة النقد السياسي ومهما علت نبرته فذلك حقّ مشروع ومكفول دستورياً في الأنظمة الديمقراطية ، بل يكمن عند تحوّل الخطاب من خطاب نقدي تقويمي وبنّاء إلى الإساءة الشخصية والطعن في الرموز الوطنية ، هنا فقط سينتقل النقاش من ساحة الرأي إلى ميدان التسقيط والتشهير وتقويض الاحترام لمؤسسات الدولة وشخصياتها بكافة عناوينها ، على ان الأخطر من ذلك كله أن يقابَل هذا الانفلات بخطابٍ مُضاد يقوم على التهديد بالعنف العشائري كما في الحديث عن ما يُعرف بـ”الدگة العشائرية”، وهو سلوك شعبوي يعبّر عن أزمة ثقافة قانونية ويعكس تحدياً مباشراً لفكرة الدولة الحديثة التي من المفترض انها تحتكر القوة وبسط السلطة وهي من تفرض القانون .

في إساءة الشابندر نكون هنا أمام مشهد مزدوج ( إساءة إعلامية مفرطة وردود أفعال عشائرية خارجة عن القانون ) ، هذا المشهد يكشف دونما شك عن هشاشة المنظومة التنظيمية التي تضبط حدود الحرية الإعلامية والسياسية في العراق ، ومنه يؤكد الحاجة إلى ان نقوم بمراجعة شاملة للإطار التشريعي الذي يحكم الخطاب وبما ينسجم مع الذوق العام .

الديمقراطية التي لا يواكبها قانونٌ رادع وضوابط واضحة تجري على الجميع ، سرعان ما تتحول إلى فوضى ، وحرية التعبير التي لا تُصان بآليات المساءلة ستتحوّل إلى منصة لتسقيط الخصوم وتشويه الوعي الجمعي ، وبإنتفاء هذين العاملين سنكون امام ثقافة مشوهة للذائقة السياسية العراقية .

ان مسؤولية الدولة وفي مقدمتها رئيس مجلس الوزراء مسؤولية مضاعفة ، فهو وحال لجوئه إلى القضاء لمواجهة أي إساءة ضمن الأطر القانونية ، عليه ايضاً واجب قيادة المشروع الإصلاحي لدولته الذي يُعزز مناخ الحريات ويمنع في الوقت ذاته تحوّلها إلى أداة قمعية ، ولأجل تحقيق هذا لابد من سن تشريعات إعلامية أكثر صرامة لتفارق العلاقة ما بين النقد السياسي وبين احترام الرموز وبما يضمن أن تبقى الكلمة الحرة سلاحاً للبناء لا أداةً للهدم .

ختاما نقول : إن سيادة القانون ليست خياراً سياسياً بل هي ركيزة أساس من ركائز بناء دولة المؤسسات وإذا ما تُركت الساحة لسطوة العُرف العشائري ستظل تئن تحت وطأة الانفلات في الخطاب الإعلامي وحينها سنُفرغ الديمقراطية من مضمونها الحقيقي ونُضعف هيبة الدولة ، فالدولة القوية لا تسمح بتهديدها من أناس خارجة عن القانون ولا بامتهان رموزها تحت ذريعة الحرية، فـ “سيادة القانون خط أحمر والدولة لا تُدار بعُرف الدگات العشائرية ” .

 

 


مشاهدات 186
الكاتب حيدر صبي
أضيف 2025/10/04 - 3:17 AM
آخر تحديث 2025/10/04 - 7:06 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 583 الشهر 2564 الكلي 12042419
الوقت الآن
السبت 2025/10/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير