الصابئة … النصوص الدينية و التاريخية
حيدر عبدالجبار البطاط
تحتل كلمة الصابئة مكانة بارزة في النصوص الدينية والتاريخية وهي كلمة مثقلة بالمعاني والتأويلات امتزج فيها البعد اللغوي بالبعد العقدي حتى صار من الصعب فصل التاريخ عن العقيدة في تتبّع مسار هذه الجماعة.
المعنى اللغوي
في اللغة العربية تعود كلمة الصابئة إلى الجذر (ص ب أ) ومعناه ( الخروج والانحراف والانتقال من حالٍ إلى حال ) فيُقال ( صبأ عن دينه ) أي تركه إلى دين آخر و ( صبأ النجم أي ظهر وطلع )
ومن هنا حملت الكلمة معنى ( الانتقال ) أو ( الخروج ) سواء كان خروجاً نحو الهداية أو نحو الانحراف.
الصابئة المهديون – أتباع إدريس (عليه السلام)
الروايات القديمة تربط الصابئة الأوائل بالنبي إدريس عليه السلام الذي يُعرف في التراث العبري باسم أخنوخ وفي الحكمة الهلنستية باسم هرمس المثلث العظمة (ellenistic) تُنسب إلى الحضارة اليونانية بعد عهد الإسكندر الأكبر (323 ق.م )
- إدريس كان معلمًا للناس أول من خطّ بالقلم وأول من نظر في الفلك والكواكب كعلمٍ لا كعبادة.
- أتباعه سُمّوا بـ الصابئة المهديين أي المهتدين وكانوا أصحاب حكمة ينشدون التوحيد، ويعتبرون أنفسهم أبناء النور.
- في بعض الدراسات اللغوية تُقرأ كلمة ( صابئة ) في الأصول المصرية والهيروغليفية بمعنى ( المهديون ) أي الذين اهتدوا.
الصابئة الحرانيون – عبّاد الكواكب
مع مرور الزمن تلاشت نقاء الرسالة الأولى وظهرت جماعات في مدينة حرّان (شمال بلاد الرافدين) اتخذت من النجوم والكواكب آلهة تُعبد.
- هؤلاء أطلق عليهم المؤرخون أيضًا اسم ( الصابئة )
- كانوا أهل فلسفة وفلك لكنهم خلطوا العلم بالعبادة الوثنية فارتبط اسمهم بعبادة الكواكب والنجوم.
- لهذا السبب كثير من المفسرين عندما قرؤوا كلمة ( الصابئين ) في القرآن ذهبوا إلى أنهم قوم خرجوا من دين التوحيد إلى عبادة الأجرام السماوية.
الصابئة المندائيون – البقية الباقية
اليوم ما زالت هناك طائفة صغيرة في العراق وإيران تُعرف بـ الصابئة المندائيين.
- هم قوم موحّدون يؤمنون بالله الواحد الأحد ويقدّسون أنبياء الله وعلى رأسهم النبي يحيى عليه السلام.
- لديهم كتب مقدسة أهمها كنزا ربا ويُعرفون بطقوسهم في التعميد بالماء الجاري (الصباغة) وهو رمز للنقاء الروحي.
- رغم ما لحق بهم من اضطهاد وتشتت فإنهم ظلوا محتفظين بتراث قديم يعكس بقايا حكمة إدريس الأولى.
خلاصة
إذن يمكن القول إن كلمة الصابئة ليست مجرد اسم طائفة بل هي تاريخ رحلة بشرية بين النور والظلام
- المهديون الأوائل - أتباع إدريس أهل التوحيد والحكمة.
- الحرانيون المنحرفون - عبدوا الكواكب باسم الفلك والفلسفة.
- المندائيون اليوم - بقية الطائفة التوحيدية الحافظة للذكر والطقوس الروحية.
وهكذا تتجلى في قصة الصابئة صورة الإنسان في بحثه الدائم عن النور منهم من اهتدى فصار من أبناء السماء ومنهم من ضلّ فغرق في ظلمات المادة .