الشمس لا تشرق هنا… لكنها تحترق في الداخل

سارة الجبوري

 

في رواية «الشمس لا تشرق هنا» لا تدخل مدينة، بل تدخل نبضًا، تمشي لا على أرصفة، بل على شرايين الوقت. بغداد في هذا العمل ليست جغرافيا، بل ذاكرة تتقلب ككائن حيّ يتنفس الألم ويضيء بالعتمة. كل خطوة فيها صدى، وكل زاوية حكاية، وكل نظرة محمولة بكاميرا عادل، تفتح فجوة في قلب الواقع.

من الصفحة الأولى، تشعر بأن الرواية لا تُروى… بل تُرى.

أيمن، هذا الشاب الذي تظنه أنت، أو ربما نصفك الآخر، يدخل الحكاية مثلما ندخل الحلم قبل أن نستيقظ منه على وقع ألمٍ لا نعرف مصدره. يعيش يومياته بانطفاءٍ نبيل، حتى تلتقطه كاميرا صديقه عادل، فتنقله من صورته إلى جوهره. وما بين العدسة والذات، ينشأ ذلك الشرخ الجميل، حيث تتكلم الصورة عمّا سكتت عنه الحياة.

الرواية لا تصرخ… لكنها تهمس بما يعجز الصراخ عن قوله.

لا تصف بغداد كمدينة، بل تُغنّيها كأنها أمٌّ ضائعة في سوقٍ مزدحم، أو عاشقةٌ تنتظر على الرصيف من يعود.

تختبئ الحقيقة في العيون التي ترصدها عدسة عادل، وتنتفض في قلب أيمن، الباحث عن ذاته تحت طبقات من الغبار والخذلان والضجيج البشري.

“الشمس لا تشرق هنا”… ليس تشاؤمًا، بل بيان حال.

العنوان نفسه نافذة، تطل منها أرواح الشخصيات، لا لترى الضوء، بل لتسأل: لماذا لا يشرق؟

هل لأن السماء خانت المدينة؟

أم لأن الإنسان أطفأ شمسَه الداخلية؟

الرواية تتركك بلا جواب، لكنها تمنحك سؤالًا أجمل من أي حقيقة.

اللغة هنا ليست كلمات، بل نثر مصوَّر، ملوَّن بالحنين والخذلان والحب المُنطفئ.

السرد يشبه من يهمس لك بسرٍّ في الظلام، ثم يختفي.

لا حبكة تتلوى ولا أحداث تتسابق، بل مسار يتنقّل بين الداخل والخارج، بين الصورة والحقيقة، بين “أنا” و”هو” و”نحن” و”بغداد”.

هل هي رواية؟

ربما.

وربما هي مرآة وضعتْها أمامك الحياة لتراك من خلالها.

ربما هي فيلم داخل رواية، أو حلم في قلب مدينة لا تصحو.

أو لعلها مجرّد حكاية عن صديقَين، أحدهما يرى، والآخر يبحث عمّن يراه.

سجاد الزيدي، بكاميرا لغته لا بعدسةٍ زجاجية، أخذنا إلى مدينةٍ لم تُكتب بهذه الطريقة من قبل. جعل الشمس تغرب في الحروف وتشرق في أرواحنا