الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
بين هيبة الدولة والسلاح المنفلت

بواسطة azzaman

بين هيبة الدولة والسلاح المنفلت

ندى سلطان

 

السلاح المنفلت في العراق ليس مجرد ملف أمني يمكن احتواؤه عبر إجراءات مؤقتة أو حملات جمع سلاح محدودة.. لكونه تحول بفعل التمويل إلى ظاهرة بنيوية تهدد فكرة الدولة العراقية من جذورها، إذ إن فقدان الدولة لاحتكار العنف يمثل الشرط الأساس لانهيار هيبتها وتآكل قدرتها على بسط سلطتها على كامل الجغرافيا الوطنية في العراق...

فمنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 وما تبعه من تفكك مؤسسات الجيش وقوى الأمن الداخلي انفجرت موجات متتالية من العنف والاقتتال الداخلي والتي بدورها خلقت بيئة خصبة لولادة جماعات مسلحة اتخذت أشكالاً متعددة، بعضها تأسس بدعوى المقاومة، وبعضها ارتدى غطاءً سياسياً  ودينياً، فيما تشكلت أخرى بدوافع عشائرية أو اقتصادية، غير أن المشترك بينها جميعاً (( أنها جعلت السلاح وسيلتها الرئيسة للنفوذ والهيمنة!!)). إن هذه الظاهرة انعكست بصورة عميقة على بنية الدولة والمجتمع معاً، فهي من جهة حرمت المواطن من الشعور بالأمان الحقيقي وجعلته في مواجهة احتمالية دائمة لاندلاع نزاع مسلح حتى في أبسط الخلافات الاجتماعية وهذا ما صرنا نراه باستمرار في مختلف المناطق العراقية، ومن جهة أخرى أضعفت ثقة المواطن بالمؤسسات الرسمية.. فلم تعد الدولة في نظره المرجع الوحيد لحل النزاعات أو حماية الحقوق، وإنما باتت العشيرة أو الفصيل أو القوة المسلحة هي الضامن العملي للحياة اليومية. وعلى المستوى الاقتصادي يشكل السلاح المنفلت بيئة طاردة للاستثمار والتنمية..

غياب سلطة القانون

فلا يمكن لرأس المال المحلي أو الأجنبي أن يستقر في فضاء تغيب فيه سلطة القانون وتحضر فيه سلطة السلاح وعجز الدولة عن حماية اقتصادها والاقتصاد الأجنبي من الاعتداءات، كما أن قطاعات واسعة من النشاط الاقتصادي باتت خاضعة لابتزاز الجماعات المسلحة التي تستخدم القوة لفرض إتاوات أو السيطرة على الموارد وهذا مثبت وبالدلائل. أما على المستوى السياسي فقد لعب السلاح دوراً محورياً في تشويه العملية الديمقراطية، فتحول إلى أداة لفرض الإرادات وصناعة التوازنات داخل الدولة.. وأصبح تشكيل الحكومات أو إسقاطها مرتبطاً بموازين القوى المسلحة أكثر مما هو مرتبط بإرادة الناخبين أو عدالة الدستور. واجتماعياً فقد ساهمت هذه الظاهرة في تكريس ثقافة العنف كوسيلة طبيعية لحسم الخلافات حتى على مستوى العائلة الواحدة وأضعفت تدريجياً ثقافة الحوار والرجوع إلى القضاء لفض الخلافات ، حتى باتت بعض المناطق تشهد صدامات دامية لأسباب بسيطة لا تحتمل استخدام الرصاص.. بل وصل الحال إلى تصاعد وتيرة خلاف بين طفلين إلى استخدام أسلحة ورشاشات من قبل ذويهم!!! الأمر الذي يعمق الشرخ الاجتماعي ويضعف الهوية الوطنية الجامعة.

إن معالجة هذه المعضلة تتطلب رؤية وطنية شاملة وإرادة سياسية صلبة تتجاوز الحسابات الفئوية والحزبية نحو مشروع حقيقي لبناء الدولة، والذي لم نشهد حتى اللحظة جهةً سياسية ستخوض غمار الانتخابات تطرح برنامجاً واعياً ورصيناً لحصر السلاح بيد الدولة، ويقوم أولاً على إعادة الاعتبار للمؤسسات الأمنية وتزويدها بالكفاءة والشرعية والقدرة على بسط سلطة القانون بعدالة، ثم المضي بخطوات جريئة وصارمة جداً ، نحو حصر السلاح بيد الدولة تدريجياً وفق خطط واقعية تأخذ في الحسبان حساسية التوازنات الاجتماعية والسياسية.... مع تفعيل المساءلة القانونية بحق كل من يتجاوز إطار الشرعية (مهما كان موقعه أو نفوذه) !

وإلى جانب ذلك لا بد من إطلاق برامج تربوية وإعلامية طويلة الأمد تعيد الاعتبار لقيمة المواطنة وثقافة السلم الأهلي والمجتمعي.. لأن مشكلة السلاح المنفلت ليست في جوهرها أمنية فقط وإنما هي أزمة سياسية واجتماعية واقتصادية أيضاً، وحلها يتطلب بناء عقد اجتماعي جديد يقوم على ((سيادة القانون والعدالة والمساواة)) . وإذا لم تُحسم هذه القضية بشكل جذري فإن العراق سيبقى أسيراً لدورات متكررة من العنف والفوضى، وسيظل مستقبل الدولة مرهوناً بتوازنات السلاح لا بمرجعية الدستور والمؤسسات، وهو ما يشكل التحدي الأكبر أمام أي مشروع وطني يسعى لإعادة بناء العراق على أسس راسخة ومستقرة.


مشاهدات 88
الكاتب ندى سلطان
أضيف 2025/10/04 - 1:57 AM
آخر تحديث 2025/10/05 - 1:46 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 93 الشهر 2793 الكلي 12042648
الوقت الآن
الأحد 2025/10/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير