الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الرقابة على دستورية القوانين بين الحاجة إلى التوازن والفصل بين السلطات

بواسطة azzaman

الرقابة على دستورية القوانين بين الحاجة إلى التوازن والفصل بين السلطات

نوري جاسم

 

في عالم يُبنى على سيادة القانون، تبرز الرقابة على دستورية القوانين كإحدى الدعائم الأساسية لحماية النظام الديمقراطي وضمان عدم تجاوز السلطة التشريعية لحدودها التي رسمها الدستور. فهذه الرقابة، التي تمارسها جهات قضائية أو دستورية مختصة، ليست مجرد إجراء قانوني فحسب، بل هي تجسيد حي لمبدأ سمو الدستور، وضمانة لاحترام الحقوق والحريات العامة.

مبدأ سمو الدستور :

ينص غالبية دساتير الدول الحديثة على أن الدستور هو القانون الأعلى، ويجب أن تخضع له جميع التشريعات والقوانين والأنظمة. من هذا المنطلق، فإن الرقابة على دستورية القوانين تهدف إلى التأكد من توافق التشريعات الصادرة عن البرلمان مع المبادئ الدستورية، وتعمل على منع صدور قوانين قد تنتهك الحقوق الدستورية أو تخل بالتوازن بين السلطات.

أنواع الرقابة على الدستورية :

تنقسم الرقابة على دستورية القوانين إلى نوعين رئيسيين:

1. الرقابة السابقة: تُمارس قبل إصدار القانون، وتُمنح عادة لهيئات مثل مجالس الدولة أو المجالس الدستورية، حيث يتم فحص مشروع القانون قبل صدوره.

2. الرقابة اللاحقة: وتُمارس بعد صدور القانون، إما بناءً على دعوى مباشرة من الأفراد (الرقابة عن طريق الدعوى)، أو بطريق الدفع بعدم الدستورية أثناء نظر قضية معينة أمام القضاء.

في النماذج الديمقراطية الرصينة، يتجسد هذا الدور في محاكم دستورية مستقلة، مثل المحكمة الدستورية العليا في مصر، أو المجلس الدستوري في فرنسا، أو المحكمة العليا في الولايات المتحدة.

الرقابة والتوازن بين السلطات :

رغم أهمية الرقابة القضائية في حماية الدستور، إلا أنها قد تُنتقد أحيانًا على أنها تتدخل في عمل السلطة التشريعية، مما يثير تساؤلات حول مبدأ الفصل بين السلطات. لكن الحقيقة أن الرقابة على الدستورية، حين تُمارس ضمن ضوابط قانونية صارمة واستقلال قضائي تام، فإنها لا تقوض سلطة البرلمان، بل تُكملها وتحصّنها من الوقوع في تجاوزات أو إصدار قوانين قد تفتقر إلى المشروعية الدستورية.

الدروس من التجارب المقارنة :

أثبتت التجارب الدستورية حول العالم أن الرقابة الفعالة على القوانين هي ضمانة حقيقية لمنع الاستبداد التشريعي، وهي عامل مهم في استقرار النظام السياسي، خاصة في الفترات الانتقالية أو في الدول الخارجة من صراعات. كما أن تفعيل آليات الدفع بعدم الدستورية أمام المحاكم، كما هو معمول به في بعض الدول العربية، يُعد خطوة إيجابية في تمكين المواطن من الدفاع عن حقوقه الدستورية أمام السلطة القضائية. وفي النهاية، تبقى الرقابة على دستورية القوانين أداة ضرورية لحماية الديمقراطية، وتحصين النظام السياسي من الانحراف. ولعل التحدي الأهم في الدول النامية اليوم، ليس فقط في وجود هذه الآليات، بل في ضمان استقلالها، وشفافيتها، وارتباطها الحقيقي بالمجتمع وحقوقه، بعيدًا عن التسييس أو الاستخدام الانتقائي. وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما  ..

 

 

 

 


مشاهدات 215
الكاتب نوري جاسم
أضيف 2025/10/01 - 3:38 PM
آخر تحديث 2025/10/02 - 1:17 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 41 الشهر 763 الكلي 12040618
الوقت الآن
الخميس 2025/10/2 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير