الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
التمييز بين نظام تقادم الدعوى الجزائية وسقوط الحق في تحريكها

بواسطة azzaman

التمييز بين نظام تقادم الدعوى الجزائية وسقوط الحق في تحريكها

عماد يوسف خورشيد

 

الثابت في التشريع والفقه الجنائي المُقارن أن نظام التقادم الجنائي، سواء كان تقادم العقوبة أو تقادم الدعوى الجزائية، له أحكام وضوابط تنظم إطاره بشكل دقيق يختلف عن قاعدة سقوط الحق في تحريك الدعوى الجزائية. وفي هذه المقالة نحاول وضع الاسس العلمية لبيان الفرق بين تقادم الدعوى الجزائية وسقوط الحق في تحريكها، والذي أثار كثيرًا من اللبس في بعض كتب الفقه الجنائي العراقي، وإنعكاس أثره على أحكام القضاء العراقي، وذلك على النحو الآتي:

بدايةً، نرى من الضروري أن نوضح المقصود بالتقادم، إذ عرفت معاجم اللغة العربية التقادم بأنه: ضد الحدوث، ويقال: "قِدْماً كان كذا وكذا"، وهو اسم من "القِدَم"، جُعل اسماً من أسماء الزمان. أي مضى على وجوده زمن طويل، فهو قديم. وتقادم الشيء، أي قَدُم وطال عليه الأمد. وعلى ذلك، فمعنى التقادم في اللغة هو مضي الزمان.

ومن خلال البحث في التشريعات الجنائية، لم نلاحظ تعريفًا للتقادم، وبالتالي فإن الفقه الجنائي أدلى بدلوه لبيان إطاره وسد الفراغ، إذ عُرّف بأنه: "مرور مدة من الزمن على ارتكاب الفعل المجرم، يبدأ من اليوم التالي لتحقق النتيجة الإجرامية، أو من تاريخ آخر إجراء من الإجراءات القاطعة للمدة أو الموقفة لها، ما يؤدي إلى منع السلطة المختصة من تحريك الدعوى الجنائية، وامتناع القاضي عن الحكم في موضوعها، وبالتالي يصدر قراره بانقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم".

وفضلًا عن ذلك، فقد وضع الفقه الجنائي الأساس الذي يستند إليه قيام نظام تقادم الدعوى الجنائية، والتي نجملها بالآتي وعدم الاسهاب قدر الامكان: أولًا: نظرية نسيان المجتمع للجريمة. ثانيًا: نظرية الإهمال والتنازل. ثالثًا: نظرية الاستقرار القانوني. رابعًا: نظرية العقوبة المعنوية. خامسًا: نظرية ضياع الأدلة. سادسًا: نظرية التوازن القانوني الاجتماعي. سابعًا: نظرية التوفيق بين الواقع والقانون. ثامنًا: نظرية إصلاح الجاني.

ومما نقف عنده أن معظم التشريعات الجنائية المقارنة قد بررت الأخذ بنظام تقادم الدعوى الجنائية، للأهمية التي يحملها هذا النظام في طياته في استقرار عمل السلطة القضائية والمجتمع على حد سواء. اذ لاحظنا ان أغلب التشريعات الجنائية المقارنة أخذت بنظام تقادم الدعوى الجزائية، ونود ذكر بعضًا منها: قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي النافذ في المادة (7)، والذي تضمن أن "في مواد الجنايات تنقضي الدعوى العمومية بعد مضي عشر سنوات من يوم ارتكاب الجريمة، ما لم يحدث أي إجراء من إجراءات التحقيق أو المحاكمة خلال هذه المدة...". وتضمن في المادة (8) أنه "في مواد الجنح تنقضي الدعوى الجنائية بمضي ثلاث سنوات، ويتم ذلك بذات الطريقة الموضحة في المادة السابقة". وكذلك تضمن في المادة (9) أنه "في مواد المخالفات تنقضي الدعوى العمومية بعد مرور سنة واحدة وفق الشروط الموضحة في المادة (7)". وفي الاتجاه ذاته، نص قانون الإجراءات الجنائية المصري رقم 150 لسنة 1950 المعدل النافذ في المادة (15) على أن "تنقضي الدعوى الجنائية في مواد الجنايات بمضي عشر سنين من يوم وقوع الجريمة، وفي مواد الجنح بمضي ثلاث سنين، وفي مواد المخالفات بمضي سنة، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك". وقد وضحت محكمة النقض المصرية نطاق سريان هذه المادة في حكم جاء فيه: "إن المدد الواردة في المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية المصري تسري على كافة أنواع الجرائم، سواء ما ورد منها في قانون العقوبات أو ما ورد في القوانين الخاصة، ذلك أن مدة التقادم الواردة في هذه المادة تعد تقادمًا عامًا يسري على جميع الجرائم، سواء علم بها المجني عليه أم كان يجهلها." نقض 24 إبريل 1978 - مجموعة أحكام النقض س 29 رقم 85 ص 447.

أما موقف المشرع العراقي من نظام تقادم الدعوى الجنائية بشكل عام، وموقفه من تدرج المدة بشكل خاص، فيتبين من خلال الاطلاع على نصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية ونصوص قانون العقوبات بشكل عام، والقوانين الجزائية الخاصة، من أن المشرع العراقي متأثر بنظامين يختلف أحدهما عن الآخر، فإنه متأثر من حيث الأصل بالتشريعات الانجلوسكسونية التي ترفض فكرة التقادم بشكل نهائي، وفي جانب آخر فإنه متأثر بشكل جزئي بالتشريعات اللاتينية التي تقر الأخذ بهذا النظام.

إذ إنه من حيث الأصل رافض لفكرة التقادم في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971، وكذلك في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969. ومع ذلك، أصدر المشرع الجنائي قوانين جزائية خاصة أخذ فيها بنظام تقادم الدعوى الجنائية، إذ أصدر قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983 وتضمن في المادة (70) منه على: "أولًا: تنقضي الدعوى الجنائية بمضي عشر سنوات في الجنايات وخمس سنوات في الجنح. ثانيًا: يسقط التدبير إذا لم ينفذ بمضي خمسة عشر سنة في الجنايات، وبمضي ثلاث سنوات على انتهاء مدة التدبير المحكوم به في الحالات الأخرى". يظهر من خلال الاطلاع على هذا النص أنه تضمن وبشكل واضح نظام التقادم، ويشير في الفقرة الأولى من المادة إلى انقضاء الدعوى الجنائية، ويشير في الفقرة الثانية إلى تقادم العقوبة.

وكذلك من القوانين الخاصة التي شرعها والتي تتضمن نظام التقادم قانون الكمارك رقم 23 لسنة 1984 النافذ، والتي جاءت في المادة (253) على أن "تكون مدة التقادم المسقط للدعوى الكمركية أو العقوبة كما يأتي: أولًا: عشر سنوات لجرائم التهريب أو ما يعتبر في حكمها ابتداء من تاريخ وقوع الجريمة. ثانيًا: ثلاث سنوات للجرائم الأخرى ابتداء من تاريخ وقوعها. ثالثًا: عشر سنوات لتنفيذ الأحكام الخاصة بالتهريب أو ما يعتبر في حكمه من تاريخ اكتسابها درجة البتات. رابعًا: خمس سنوات لتحصيل الغرامات والمصادرات المفروضة في الجرائم الأخرى ابتداء من تاريخ صدور قرار التغريم أو المصادرة".

ولاحظنا أن المشرع العراقي ذكر مدة انقضاء الدعوى الجزائية، ولكن لم يذكر ضمن هذه النصوص متى يبدأ التقادم، ولم يذكر أهم نقطة في نظام التقادم، الإجراءات القاطعة للتقادم، أو وقفها أو تراخي سريانها بالنسبة لبعض الجرائم، مما أدى ذلك إلى أن يلجأ القضاء إلى البحث عن آراء الفقهاء ومواقف الفقه للحكم في الواقعة المعروضة أمامه. ونذكر على سبيل المثال قرار محكمة التمييز الاتحادية، إذ جاء ضمن القرار: "...التقادم نظام جديد على التشريع العراقي، وعدم وجود سوابق قضائية، وأن الفقه يقضي بانقطاع التقادم حال اتخاذ إجراء من إجراءات التحقيق...". (رقم الحكم 122/ هيئة عامة /89، مجلة القضاء، العددان الأول والثاني، السنة السادسة وأربعون، 1991، ص 131).

ومما ينبغي أن نقف عنده، وبعد بيان وتوضيح فكرة تقادم الدعوى الجزائية، لاحظنا أن تقادم الدعوى الجنائية يختلف عن سقوط المدد المحددة للجرائم المعلقة على شكوى والمنصوص عليها في المادة 3 من قانون الإجراءات الجنائية المصري رقم 150 لسنة 1950، والتي تقابلها المادة 6 من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل النافذ. ونرى تحديد الفروق على النحو الآتي بيانه:

1- من حيث سريانها على الجرائم: إن أحكام تقادم الدعوى الجنائية في التشريعات المقارنة التي تأخذ بالتقادم تكون سارية على كافة الجرائم (جنايات-جنح-مخالفات) دون قيد من حيث الأصل، أما سقوط المدة القيد المعلق على شكوى فمحددة على سبيل الحصر لجرائم المعلقة على شكوى في المادة 3 من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي.

2- من حيث بدء المدة الزمنية: فإن القانون حدد بدء مدة التقادم من يوم وقوع الجريمة، أما في الجرائم المعلقة على شكوى فإن المدة تبدأ من يوم علم المجنى عليه بالجريمة وبمرتكبها.

3- من حيث المدة الزمنية: فإن القانون حدد مدة تقادم الدعوى الجنائية على حسب نوع الجريمة (جناية-جنحة – مخالفة)، أما في الجرائم المعلقة على شكوى فإن المدة المحددة هي ثلاثة أشهر لكل الجرائم الواحدة في المادة 3.

4- من حيث الإجراءات القاطعة: فإن تقادم الدعوى يتعرض إلى إجراءات قاطعة للمدة ومحددة على سبيل الحصر ونذكر منها: اجراءات التحقيق، إجراءات المحاكمة. فبعد اتخذا أي اجراء مما سبق تنقطع مدة التقادم، وتبدأ احتساب المدة من جديد. أما الجرائم المعلقة على شكوى فلم يحدد القانون إجراءات قاطعة لها، ولكن في حالة اتخاذ أي أجراء من قبل السلطة المختصة تنتهي المدة، ولا يوجد احتساب مدة من جديد لسقوط الحق في تحريك الدعوى الجزائية.

5- من حيث حكمة المشرع في وضع المدة: فإن نظام تقادم الدعوى الجنائية مقرر للصالح العام، أما الآخر فإنه مقرر لمصلحة المجنى عليه.

6- ومن حيث التكييف القانوني: إن اكتمال المدة في تقادم الدعوى الجنائية يترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم، أما الجرائم المعلقة على شكوى فإنه يترتب عليه سقوط الحق في تقديم الشكوى.

7- من حيث وقف التقادم: يوجد في نظام التقادم قاعدة وقف التقادم ومثالها: ان يصاب المتهم بعاهة عقلية أو فقد للإدراك ففي هذه الحالة يتم وقف احتساب مدة تقادم الدعوى الجزائية. ولا وجود لهذه القاعدة في سقوط الحق في تحريك الدعوى الجزائية.

وصفوة القول، إن سقوط الحق في تحريك الدعوى الجزائية تختلف تمامًا عن نظام تقادم الدعوى الجزائية، وهو ما يجيب التوقف عنده والإشارة إلى التسمية الصحيحة لكل لحالة، لما لكل منها آثار وأحكام تختلف عن الآخر، وبالنتيجة حفظ الحقوق والحريات الاساسية للافراد.

 

 

استاذ القانون الجنائي المساعد

 

 


مشاهدات 113
الكاتب عماد يوسف خورشيد
أضيف 2025/11/26 - 3:04 PM
آخر تحديث 2025/11/27 - 3:25 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 128 الشهر 19632 الكلي 12681135
الوقت الآن
الخميس 2025/11/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير