نثر شاعرِيّ - مهرجان كَلاويز
امل خلف
في السليمانية، حيث تتدلّى الخضرة من سفوح الجبال كأنها عباءةٌ من نور، ينهض مهرجان كَلاويز كل عام مثل نبضةٍ تذكّر المدينة بأنها خُلِقت من الحكايات. هناك، لا تكون الكلمات مجرد أصوات، بل تتحوّل إلى طيورٍ تتنقّل بين القاعات، تحمل معها ذاكرة شعبٍ ظلّ يقاوم النسيان بالشعر والمعرفة.
يأتي الأدباء من كل الجهات، يطرقون باب كردستان كما يطرق المسافر باب بيتٍ طال غيابه عنه. يسمعون رنين اللغة في الأسواق، وصدى الأغاني القديمة في الأزقة، فيشعرون أن الزمن عاد لحظةً إلى طفولته الأولى، حين كانت القصائد تُكتب على صخور الجبال، وتُقرأ على ضوء القمر.
مهرجان كَلاويز ليس احتفالًا عابرًا، بل مساحةٌ تتّسع لخطوات الأرواح، لأسئلة المثقفين، لنبض القلوب التي تبحث عن معنى. في كل يومٍ من أيامه، تتوهّج المدينة كصفحةٍ جديدة تُعاد كتابتها، ويصبح الحضور جزءًا من قصةٍ واحدة، لا يستطيع أحد أن يعرف أين بدأت ولا كيف ستنتهي.
إنه مهرجان يعلّمك أن الثقافة ليست ترفًا، بل ضرورة، وأن الروح لا تُشفى إلا حين تعثر على كلمةٍ تُشبهها.
???? قصيدة شاعرِيّة — كَلاويز
يا كَلاويزُ… يا غيمةً صعدت
من صدرِ كردستانَ نحو المدى الأزرقِ
يا موعدًا يوقظُ الذاكرةَ المُتعَبة
ويُرجِعُ العمرَ طفلًا بيننا يَعرِقِ
في السليمانيةِ أطيافٌ تُحيط بنا
كأنّها الحلمُ يمشي حولنا مُشفِقِ
هنا القوافي تُقيم الليلَ مائدةً
وتسكبُ الفجرَ في أكوابِنا ودُقِ
يمشي الشاعرُ الخطوَ الأولَ مفتتنًا
بالناسِ، بالدارِ، بالبابِ الذي انغلقِ
لكنّه حين يسمعُ همسَ أغنيةٍ
ينسى تعبَه… كأنّ العمرَ لم يَشِقِ
تأتين يا لغةَ الأشعارِ أجنحةً
تُرفرفين على المنصاتِ في عِتقِ
وتجمعين قلوبًا لم تكن تلتقي
إلا إذا لامسَ الإلهامُ ما احترقِ
يا مهرجانًا إذا مرّتْ نسائمُهُ
أصبحَتِ الأرضُ تروي قصةَ الشَّفَقِ
تبقى… وإن غابَ من كانا نُحبُّهمُ
فالشِّعرُ يورثُنا ما لا يُرى ويَبِقِ
يا كَلاويزُ… ما دامَ الزمانُ لنا
ستظلُّ في الروحِ ضوءًا، في المدى عِمقِ
تجمعُ الإنسانَ بالإنسانِ في فرحٍ
كأنّما العالمُ الضيقُّ اتّسقِ