الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
لئلا نكسر المرآة

بواسطة azzaman

لئلا نكسر المرآة

عدنان سمير دهيرب

 

صورتان , الأولى مازالت راسخة في الذاكرة منذ ان شاهدت الصورة الوثيقة الناطقة باندحار الأخلاق و الجنوح نحو التوحش في متحف هيروشيما , عند زيارتي للمدينة عام 2004 . ولقائي بالسيدة الوحيدة كشاهد عيان على مستوى الدمار الهائل إثر قيام أمريكا بارتكاب جريمتها المروعة بتدمير المدينة بالقنبلة النووية . حين خضع الانسان الى طبيعته الهمجية الاولى والعودة الى سلوكه البربري عند وقوع الحروب و تفاقم الأزمات , بالرغم من مراحل التحضر و التطور الحضاري للمجتمعات خلال القرون الماضية . ليستثمر العلم و التقدم لأهداف تدميرية . ما يؤكد أن كل الأفكار و الفلسفات ومغذيات الفضيلة لتهذيب الانسان لم تصل الى غاياتها . بسبب عوامل ضاغطة بين القوة والاغراء المؤثر على الفرد والمجتمع .

ففي الخامس من آب عام 1945 , إستيقظ العالم على وقوع تلك الجريمة , و المشهد المرعب الذي أنهى الحرب العالمية الثانية وإستسلام اليابان , بعد أن حرقت الأشجار , و الدور الخشبية وتدمير المباني , و قتل الناس بالغازات السامة أو النيران و إصابتهم مع غياب العلاج الذي دفع السكان بعد حين الى إستعمال (مرهم للحروق هو عرق الضفدع , و يتم الحصول عليه بوضع الضفدع في صندوق كل جدرانه من المرايا , فما أن يرى الضفدع صورته من كل جانب حتى يصاب بالرعب فيفرز مادة دهنية – مثلما يذكر المخرج الياباني أكيرا كورو ساوا في سيرته - يجري كشطها عن المرايا و إستخدامها في المرهم المنشود) . و بذلك فأن الانسان يستثمر الخوف و الرعب للكائنات الحية بأشكال مختلفة , ليعالج آلامه ومأساته التي ولدها ذات الانسان عند إطلاق نوازعه العدوانية . ويشير الى أن العنف و القسوة جزء من شخصية الانسان بنسب متفاوتة يستخدمها كلما توفرت الظروف المحيطة لتصل الى درجة التوحش إبان الحروب , التي غدت تغطي مساحة كبيرة من تاريخ البشرية . فالتاريخ المسجل لأكثر من ثلاثة الاف عام , يظهر أن 90 بالمئة من هذا التاريخ شهد حروباً .

دراسات علمية

وتذكر تلك السيدة أن نتيجة سقوط القنبلة النووية و التلوث الاشعاعي الذي أغرق المدينة أدى الى عدم نمو النباتات لمدة سبعين عاماً وفق دراسات علمية صدرت في حينها . غير أن العواصف والأمطار الغزيرة التي سقطت في شهر تشرين الثاني من ذات العام , نظفت التربة ، لتبدأ الاشجار بالنمو ثانية ً .

و إتخذت السلطة اليابانية قرارات صارمة تتوافق مع الشخصية اليابانية التي تنماز بالبسالة و التحدي و إمكانية الاستفادة من التجارب الغربية علمياً و إقتصادياً و سياسياً , لتغليب مصلحة الدولة و المجتمع على كل المصالح . لتحول الهزيمة الى إنتصار بالبناء و التقدم والازدهار و العمل الذي أصبح برنامجاً و سلوكاً . و لم تدخل في دائرة الصراعات المسلحة والحروب منذ ذلك التاريخ

بالرغم من إستمرارها في أماكن و دول أخرى , إذ أشارت مصادر إعلامية الى أن عام 2024 يعد الاكثر دموية منذ 80 عاماً –أي بعد سقوط تلك القنبلة – فقد شهد العالم 61 نزاعاً في 36 دولة . 78بالمئة منها في أفريقيا و آسيا و أوربا و أدى الى نزوح 73 مليون إنسان حول العالم جراء الحروب , التي أنفقت فيها تلك الدول 2,7 ترليون دولار . وكان آخر عدوان على ايران فيما زالت الحرب مستمرة في أوكرانيا وحرب الإبادة في غزة و ما تعرضه القنوات من صور الدمار التي تشبه آثارها في هيروشيما .

تلك الصورة الثانية للدمار الماحق للبنى التحتية و دور السكان , وما برحت الجريمة مستمرة بالقتل اليومي الذي تجاوز الخمسين ألف و جرح أكثر من ذلك العدد , يترافق مع إذلال و إهانة الناس الذي يبحثون عن مأوى و طعام يسد غائلة الجوع , بل و قتلهم عند إنتظارهم لاستلام المساعدات بعد أكثر من 600 يوم من القصف و الرعب و محاولات التهجير .

وسائل اعلام

كل ذلك الدمار المادي و النفسي و القسوة المفرطة التي توثقها الكاميرات و تنقله وسائل الاعلام , لم يستيقظ الضمير الانساني لكي ينهي العدوان مثلما أستيقظ في المرة الاولى , لعدم الشعور بالمأساة و إختلاف المصالح والخضوع للسطوة الامريكية و الصهيونية الراعية لاسرائيل التي تنفذ مخططاتها  باسقاط كل الانظمة و الحركات الثورية المقاومة لوجودها و سلوكها العدواني خلال سبعة عقود ونيفٍ من و لادتها غير الشرعية في منطقة مازالت تكابد الحروب والصراعات الدموية و السياسية.

و بالرغم من بشاعة العدو طيلة المدة المنصرمة , لم يستطع العرب من تشكيل رأي عام ضاغط على الحكومات أو يسعى للتأثير على الرأي العام العالمي , لإنهاء العدوان .

و عدم القدرة على الاتفاق يعود الى خضوع الجمهور و قادة الرأي و الإعلام , للحكومات . و بلدان تستذكر نكباتها و هزائمها في الحروب مع أسرائيل التي إخترق إعلامها , مؤسسات العرب لسلب إرادتهم و إختراق وعيهم وإغتصاب إيمانهم بقضية قومية و إنسانية قدم من أجلها خلال العقود المنصرمة الآف الشهداء و صرفت مليارات الدولارات , لتتحول الى مسألة خاضعة للنقاش و الخلافات والمزايدات السياسية للدول والاحزاب والزعامات المذهبية .

إن هذا الواقع المضطرب أدى الى عدم القدرة على التأثير عالمياً .  أنتج بيئة متهمة , و كما يقول الشاعر الايراني سعد الشيرازي ( إذا ما عكست المرآة قبح وجهك , صلح وجهك و لاتكسر المرآة ) . لنسقط عليها عجزنا مع إستمرار الكراهية و النزاعات المجتمعية والخصومات الغبية ،والصراعات السياسية و الاقتتال الطائفي والخلافات الدينية التي كشفت عن قبح وجوهنا , و عدم القدرة والرغبة في الإصلاح و النهوض والتضامن , بالاشتراك مع حكومات تسعى فقط للحفاظ على سلطتها . لنبقى نتهم الغرب بما إصابنا من تخلف و جهل و إنحطاط . و لم نفكر أو نسعى لتجميل وجوهنا بالعمل و العلم و المحبة لتمنحنا القوة , دون أن نتهم الغرب الذي يستغل أسباب القبح فينا .

 

 


مشاهدات 103
الكاتب عدنان سمير دهيرب
أضيف 2025/06/23 - 4:15 PM
آخر تحديث 2025/06/24 - 7:05 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 149 الشهر 14992 الكلي 11149646
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/6/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير