في مهبّ النار.. التصعيد بين إيران وإسرائيل بعد التدخّل الأمريكي

محمد علي الحيدري

أدخلت الضربات الأمريكية الأخيرة على منشآت نووية داخل إيران المواجهة مع طهران في طورٍ جديد، يتجاوز الحسابات الإسرائيلية التقليدية، ويكرّس انخراط واشنطن عسكريًا ضمن معادلة ردع غير مُعلنة. ما بدأ كاشتباك محكوم بين إسرائيل وإيران بات اليوم صراعًا ثلاثيّ الأبعاد، تُشكّل فيه الضربة الأميركية رسالة استراتيجية بقدر ما هي فعل عملياتي مباشر.

المواجهة بين إيران وإسرائيل قائمة ومفتوحة، تتخذ طابعًا تصعيديًا متدرجًا، مع هجمات طالت منشآت نووية ومراكز استراتيجية داخل إيران. لكنّ اللافت في الجولة الحالية هو أن إيران، رغم تعرضها لضربات أميركية مباشرة، لم تبادر حتى الآن إلى فتح جبهة ردّ ضد واشنطن، سواء عبر أدواتها الذاتية أو عبر حلفائها الإقليميين، كما درجت العادة في مواجهات سابقة.

قنوات دبلوماسية

هذا التريّث لا يعكس ضعفًا بل براغماتية استراتيجية: صلابة في وجه إسرائيل التي تُعامل كعدو وجودي، مقابل حذر مدروس في التعامل مع واشنطن، التي لا تزال تُعتبر طرفًا يمكن – نظريًا – احتواء التصعيد معه عبر قنوات دبلوماسية أو غير مباشرة، إذا ما توقّفت الهجمات.

في المقابل، تبدو إسرائيل مستفيدة من لحظة الانخراط الأميركي، مدفوعةً بدعمٍ مباشر من إدارة ترامب، التي لا تخفي دعمها لعمليات تل أبيب، بل تؤكّد أن “إسرائيل تنتصر”، وأن وقف إطلاق النار ليس واردًا في الوقت الراهن. هذا المناخ يوفّر لتل أبيب غطاءً سياسيًا لتوسيع ضرباتها، ضمن هامش محسوب لا يتجاوز العتبة التي قد تُشعل حربًا إقليمية واسعة.

أما المساعي الأوروبية، فقد تعثرت في ظل اشتراط طهران وقف الاعتداءات قبل استئناف أي حوار، ما أبقى خطوط الوساطة غير فعّالة. والنتيجة: تصعيد مضبوط، ورسائل متبادلة، دون أفق واضح لمسار دبلوماسي فاعل.

جميع الأطراف تتحرك الآن على حافة الهاوية. لكن المسافة بين الاحتواء والانفجار تتقلص مع كل ضربة نوعية، وكل تصريح تصعيدي، وكل اختلال طارئ في موازين التقدير. فالردع لا يُبنى فقط بالقوة، بل أيضًا بقدرة الأطراف على تفادي اللحظة التي تصبح فيها الضربة الأخيرة هي الشرارة الأولى لحرب لا عودة منها.