بداية النهاية
علي العزي
في فجر الأحد الماضي ، قصفت الولايات المتحدة الأمريكية منشآت نووية داخل إيران، في ضربة تُعدّ الأشد من نوعها منذ سنوات. وبينما تصف واشنطن العملية بأنها «ضربة استباقية دقيقة» استهدفت منشآت تُستخدم في تطوير القدرات النووية الإيرانية، ترى طهران أن ما جرى إعلان حرب وعدوان سافر على سيادتها.
استهداف منشآت نووية، حتى وإن كانت خالية من المواد الانشطارية، يحمل رسالة شديدة الوضوح: لم تعد سياسة «الصبر الاستراتيجي» مجدية، ولم تعد التهديدات الكلامية كافية. إنها رسالة تتجاوز حدود إيران لتصل إلى كل من يعتقد أن مشروعها النووي غير قابل للمساس.
لكن الأهم أن هذه الضربات ليست عسكرية فحسب، بل نفسية وسياسية بامتياز. فهي تسعى إلى كسر الهيبة الإيرانية من الداخل، وإثارة هواجس شعبية عميقة من تكرار السيناريو الياباني عام 1945، حين أجبر السلاح النووي طوكيو على الاستسلام الكامل.
تحرك شعبي
ويبدو أن صناع القرار في واشنطن لن يعدلوا عن خيار التصعيد، ما لم يشهد الداخل الإيراني تحركًا شعبيًا واسعًا، عابرًا للخلفيات العرقية والمذهبية، يضغط باتجاه تغيير النظام أو على الأقل كبح طموحاته النووية.
السؤال الذي لم يكن يُطرح بجدية بات اليوم على طاولة التحليلات العسكرية:
هل يمكن أن تُقدم واشنطن على استخدام سلاح نووي تكتيكي ضد إيران لإجبارها على استسلام سريع وحاسم؟
صحيح أن الرأي العام الدولي سيقاوم مثل هذا الخيار، إلا أن التاريخ يذكّرنا بأن الولايات المتحدة سبق أن كسرت المحظور في لحظة مفصلية. وإذا رأت واشنطن أن طهران تقترب فعليًا من العتبة النووية، أو إذا استهدفت قوات أميركية كردّ على القصف، فقد تصبح الخيارات المتطرفة مطروحة للنقاش الجدي.
بعد أن أصبح البرنامج النووي الإيراني تحت النار، تبرز فكرة نقل المواد الانشطارية إلى دول مجاورة كخيار دفاعي محتمل، بهدف الحفاظ على خيار الردع أو تفكيك البرنامج استراتيجيًا لتفادي ضربات مباشرة.
مرحلة ما بعد القصف قد تشهد تشكُّل تحالف دولي ضد إيران تحت عناوين كـ»منع الانتشار النووي» أو «حماية الأمن الإقليمي».
ومع انقسام الرأي العام العالمي، قد ترى عواصم كبرى مثل باريس ولندن في هذا التصعيد فرصة لإعادة تموضعها في الشرق الأوسط، سياسيًا وعسكريًا.
الضربة الأميركية لم تكن مجرد قصف منشآت، بل تفجير للثقة الدولية وزعزعة للثوابت الاستراتيجية التي بنت عليها إيران توازناتها طوال السنوات الماضية.
ما بعد اليوم، إيران لم تعد كما كانت. من المرجّح أن تنقل المعركة خارج حدودها، وتلجأ إلى تصعيد متعدد الأشكال في المنطقة أو حتى على صعيد العالم ككل.
في كل الأحوال، يبدو أن الساعة قد بدأت فعلياً العدّ التنازلي:
إما نحو نهاية اللعبة، أو نحو بداية النهاية .