الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
فضاءٌ تركي

بواسطة azzaman

فضاءٌ تركي

نجمان ياسين

 

نصفُ سماءِ قصَيةِ معي ،

ونصفُ سماءٍ دانيةِ ،

نصفان أنا ،

نصفٌ يذوبُ في حنين الموج ،

ونصفٌ مسكونٌ بجحيم بلدي الذبيح ،

أنقسمُ على نفسي ،

وأذوي في سحر الجُزر الهائمة ،

هائماً ، في سماء من زغَبٍ ودمع ،

وموجٍ شاسع مثل الحُب ،

أرتمي بين أحضان - البسفور –

فرحٌ ناقصٌ يدهمُني ،

وحلمٌ مبتورٌ يُطوقُني ،

الزرقَةُ أمامي ، والدماءُ ورائي ،

ألتمُ على روحي ،

وأرممُ ما تمزقَ من جُدران قلبي ،

وأصرخ :

-الهي ، إحفظني من هذا الحنين الذي يجرِفُني ،

ويأخذني مني !

     -2-

أغصُ بلهيبي ،

رمادٌ ينسكبُ من ثقوب قلبي ،

وفردوسٌ يأسُرُني ،

ويغمُرُني ، بنورٍ ماسه ،

ونجوم سمائه ،

وسعيرٌ يشدُني إلى فَكِ النار التي تترصدُني في بلادي ،

وتتربصُ كي تنهشَ روحي !

    -3-

قلبي الطليق ،

أمسك بشجرةِ روحي ،

هز أغصانها ،

فتناثر الرمادُ

والسخام،

وارتمى الأسود تحت ازرق سمائي!

  -4-

روحي فيضٌ علاهُ سخامٌ

وندم .

أنفضُ قميصَ روحي ،

فيمنحني ((البسفورُ) الرؤوم ،

ألقيْ وحريقي !

   -5-

هلالٌ يبزغ ، وشمسٌِ لم تأفلْ بعدُ ،

اجتمعا سويةً .

لينثرا النور في سماء الدنيا

وفضة المياه ،

وانت ! كُتِبَ عليكَ أن تغادِرَ ظلامَ زنزانةِ المعتقل .

وأن تعيشَ هذا الفرحَ الإلهي ،

وتتوحدَ بنارِ ونورِ الموجِ المندفعِ نحو المصباتِ الرائقات !

  -6-

قبةٌ تعلو قبة ،

منارات ومآذن ،

وصوتُ الله يملأ سماءَ وبحرَ استانبول ،

ويَدسُ البَرَكَةَ في ضروع أرضِها السَخيَة ،

الملائكةُ تنهضُ من روحِ البحر ،

وتضمُ السمواتِ والأرضَ ،

تهبُنا بُراقَ الروحِ الموغلِ في ذهبِ الموج ،

وتسريْ بنا إلينا .

   -7-

ريشةٌ في جناحِ نورس ،

هذه الروحُ السكرى بخمر ((البسفور)) .

   -8-

يا ناظم حكمت :

عندَ رصيفِ ((البسفور)) ،

أبصرتُ الصيّادَ يُخرِجُ رِزقهُ من فَكِ البحر ،

ليُقدِمهُ الشوّاءُ ، ساخناً سُخونةَ رغيفِ الخبز ،

وعرفتُ سرّ حُبَّكَ لأبناءِ بلدك !

يا ناظم حكمت :

عِشتَ مُتحسراً على – منور- حتى آخر قطرات عمركِ الشقي ،

ترى ، أين أنت الآن من – منور- ؟!

الآن أذكُرُكَ ، وأتذَكرُ - كريم الذي باحَ باسم محبوبتِه ،

واحترق بنيران عشقه !

يا ناظم حكمت :

الصبايا عندَ الأشجارِ ،

والشيوخ الخاشعون بينَ يدي الله ،

المريدون في الحَلقَات ،

ونفائسُ المخطوطاتِ تكتنز النورَ في المكتبات ،

البحرُ والأزهار

والسماءُ الرحيبة ، والمياهُ الوفيرة ،

وأغنيةُ الجذورِ التي تحكي أصالةَ بلدك ،

وكُلُ هذه المآذن التي تتناسلُ عن مآذن ،

والقباب التي تنبثق عن قباب ،

جَعَلتني أدرك لماذا أفنيتَ نفسَكَ في حُب بَلدتِكَ الجميلةِ ،

                     إستانبول !

   -9-

إستانبول

تمنحينَ الضوءَ للنجوم ،

 والعطرَ للوردةِ ،

وتسترخينَ بين أحضانِ أجمل البحار،

فلماذا بخلتِ بالحب على - ناظم حكمت - وشَرّدتِه في المنافي؟!

  -10-

هذا الجبلُ نسرٌ يُحَلَّقُ في السماءِ ،

وبيوتُ الفُقراء تحتضنُ حجارته المشرئبة ،

نحو أفقِ لا ينتهي !

  -11-

في ((جزيرة الأميرات)) ،

يَصدحُ صوتُ المؤذن ، (( الله أكبر)) : كريستالٌ يتوهجُ في سماءِ البحر ،

وماسٌ يُتوِّجُ الجبال ،

ويبُرق بالأمل !

  -12-

الصبيةُ التركيةُ ، لها حجمُ فراشة ،

تشبهُ القُبلة ، أو هي القُبلة ،

يدُها أصغرُ من يدِ طفلةِ لم تُدركْ بعدُ ،

بدأتْ البكاءَ ، فتبللَت ملابُسها البيضاء ،

ودفعتْ بيدها صدرَ فتاها ،

وأشاحتْ بوجهِها المحزون ،

والفتى مذهولٌ ، محزونٌ هو الآخر ، ومرتبكٌ ،

تناولَ يدها ، ناغي نبضَها ، وَلثمهَا ،

ووضعها عند قلبه ،

فأشرق وجه الصبية،

وأضاءهُ العشق !

  -13-

نجمة من دمْ في سماء - قونية -

أهدَتنا مفاتيحَ السموات ،

ونداءَ حرائقِ الحضورِ والغياب ،

نجمة ، أوقفَتنا بينَ يَدي فيضِ الكشف ،

وجعلتنا نبصُر .

روحَ - جلال الدين الرومي - ترِفٌ .

وتمضي بنا إلى عتبة الوصول والإشراق !

  -14-

في هذا الصباح الرَهيف .

خيمةٌ خضراء تَحرسُ قلبي ،

تتراقصُ تحت جناحِ من أزرق سماء - أنقرة -

ودمُ الشجر ، وهجٌ يضيءُ بالحُبور ،

كُلُ هذا البهاءُ بين يديّ ،

وكُلُ هذهِ الفتنة تومىءُ إليّ،

وتسلمني إلى ينبوعِ فجرِ يأخذُني إلى نهر طفولتي ،

جسدّ أنا ، سرقتهُ موسيقى الأشجار المترعة بالشجن ،

وروحٌ أنا ، عافَتَ قَفَصَ الجسد ،

كسّرَتْ قضبانَ وساوِسي ،

ورَمْتني في دنيا طفولتي الضاجة بالنزوات .

والمسَراتِ والأمنيات !

في هذا الصباح الندي بشدو العنادل .

يَهبطُ طائرُ طُفولتي ،

يحَتضِنُ خَيمةَ الأخضر ، ويُغرِدُ عندَ دمِ الشجر ،

يسريْ بي إلى زمني الهارب مني

ونهري الغريب ،

ويعيد إليّ شقائي ووسامتي ،

وبراءتي المتناثرة في الطرقات ،

يُهديني صفائي الذي كدّره غبار السنوات الثقيلات ،

الله في قلبي الآن .

وأنا أنتفضُ من سُباتي .

يشهق فؤادي .

واغادرُ سُخامَ ، وصدأ أوقاتي ،

أرنو إلى طائر طفولتي ،

وأبصرُ الأبيضَ ، والأخضرَ ، والأزرق ،

ينهمرُ على قلبي .

ويغسلُ روحي المشرقةَ بنورِ الصبوات

إستانبول - أنقرة

 

أديب عراقي

رئيس أسبق للإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق

 


مشاهدات 113
الكاتب نجمان ياسين
أضيف 2025/06/23 - 3:47 PM
آخر تحديث 2025/06/24 - 7:14 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 149 الشهر 14992 الكلي 11149646
الوقت الآن
الثلاثاء 2025/6/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير