المراقب في قاعات الإمتحان بين الإنصاف والإنهاك
هند الحافظ
تُعدّ الامتحانات محطاتٍ مفصلية في مسيرة التعليم، وموسمًا تُستنفر فيه الطاقات لضمان الانضباط وتكافؤ الفرص. ومن بين الجنود الصامتين في هذا الميدان ، يقف المعلم في مهمة المراقبة، يؤدي دوره بأمانة وحرص، لكنه كثيرًا ما يُكلف بما يتجاوز طاقته دون مراعاة لاحتياجاته الإنسانية.
فواحدة من الإشكاليات الصامتة، التي تتكرر عامًا بعد عام، هي مسألة اختيار المراقبين بعشوائية، دون النظر إلى أعمارهم أو أوضاعهم الصحية. يُدرج الاسم في جدول المراقبة بلا استشارة ولا دراسة لحالته وظروفه ، فيُكلف من أثقلته السنون أو أنهكته الأمراض، ليقف ساعاتٍ طوالًا في قاعاتٍ مغلقة، بينما يُستبعد من هم أصغر سنًا وأكفأ جسدًا، وكأن العدالة تُقاس بالخبرة لا بالقدرة، أو كأن التعب قدرٌ على من لاتشمله المحسوبية!
وما يزيد الأمر وطأةً أن بعض التعليمات واللوائح تلزم المراقب بالوقوف طيلة زمن الامتحان، وكأن الجلوس فيه تهاون، أو كأن كفاءة المراقبة لا تتحقق إلا عبر الإنهاك الجسدي، ولا يُتاح للمراقب أن يستند أو يرتاح، ولو لبضع دقائق، كأن الكرسي إن قُدّم له سيكون إخلالًا بالواجب، لا استجابة لحقٍ إنساني مشروع.
نظرة ادارية
إن هذا النوع من التشدد في التعليمات، وإن بدا نابعًا من حرصٍ على الانضباط، إلا أنه في جوهره يعكس نظرة إدارية قاصرة، تُغلّب الشكل على الجوهر، لسنا ندعو إلى التهاون ولا نُقلّل من أهمية النظام، ولكننا نُطالب بقوانين تُبنى على العدل والرحمة في التكليف والتطبيق ،نطالب أن يُنظر في آليات اختيار المراقبين بعناية، تراعي أعمارهم ، وتُنصف من أنهكتهم الامراض ،كما نرجو أن يُعاد النظر في القوانين والتعليمات التي تمنع المراقب من الجلوس، وأن يُفسَح له حق الراحة حين تشتد عليه الساعات، دون أن يُحاسب على ذلك وكأنه تقصير.
فالمراقبة ليست عقوبة، ولا المراقب آلة .
هو شريك في حماية النزاهة، وصوته وإن ظل خافتًا، يحمل وجعًا لا يجوز التغاضي عنه
وإن الإصرار على تكليف من لا يقوى على الوقوف لساعات طويلة، وإلزامه بما لا يحتمله بدنه ولا تاريخه الصحي، لا يُعد تنظيمًا تربويًا، بل صورة من صور الإجحاف الإداري الذي لا يليق بمؤسسة تربـــــــــــوية وأنسانية وإن الإبقاء على تعلــــــــــــــيمات بالية تجبر المراقب على الوقوف دون حق في الــــــــــــــجلوس، هو تجاهل صريح لكرامته، وللحدود الدنيا من احترام الإنسان في موقع العمل
فإما أن تُراجع هذه الإجراءات، ويُعاد النظر في آليات التكليف وضوابط المراقبة بما يراعي الكفاءة والقدرة وإما أن نبقى نُدير مدارسنا بعقلية الأوامر الجامدة التي تهدر الطاقات وتصنع الامتعاض وتُحبط من تبقى في الميدان إن من يريد امتحانًا نزيهًا، لا يبدأ بالضغط على المراقب،
لا يُحارب الغش بإرهاق المعلم، بل بدعمه وأن لم نفهم هذه المعادلة
فلا عدالة في التعليمولا احترام في إدارته.