كيف تقع الاحداث الكبرى ...وكيف نفهمها ..؟
ضرغام الدباغ
لا شك أن معرفة التاريخ بدقة علمية، يجب"وجوباً " أن يدرس الديالكتيك، (Dialectic ، كلمة يونانية قديمة، لها تعريفات عديدة، ولكن فحواها هي علم وقوانين التطور) وبسبب أنها معرفة تحتاج جهداً للقراءى والفهم والاستيعاب، ينفر الناس منها، رغم أني أعتقد، أنه يصعب فهم التاريخ بدون دراسة الديالكتيك، وقوانين التطور العلمية، وكان لينين يعتبر ان نقيصة المفكر الروسي نيكولاي بوخارين(أحد قادة ثورة أكتوبر العظمى 1917/ القائد الشيوعي البارز) أنه لا يفهم الديالكتيك بدقة تامة ....!
ورغم أني درست الديالكتيك مرتان في الجامعة (جامعة دمشق / كلية الفلسفة والاجتماع)، ثم في جامعة لايبزغ/ ألمانيا، ونقر أن فهم الديالكتيك واستخدامه كآلة للبحث والتحليل ب، صورة صحيحة ودقيقة فعلاً أمر لا يخلو من الصعوبة.
ابتداء لا يمكننا وصف الاحداث التي تقع كنتيجة لأخطاء صغيرة وحتى كبيرة، إلا بوصفها محصلة لتراكم أخطاء (أحداث) بتراكمها شكلت موقفاً جديداً. أي أنها " محصلة " لأحداث كثيرة ربما حدثت ولم تثر الانتباه اللازم. إلا للمراقبين الذين يراقبون عمق الاحداث وليس الظاهري والسطحي منها. الاحداث الجوهرية (ذات الأبعاد الشتى) هي التي تترك أثراً على هيكل السفينة، وبعضها آثار خطرة لها طابع التفاعل، لابد أن تترك أثراً، كلدغة بعوضة لا نشعر أو نهتم بها، ولكنها قد تسبب بمرض مميت، أو أحداث عابرة، لكن لها قابلية التفاعل وطرح نتائج مهمة.
دون ريب يمثل الاقتصاد، وما تتركه من آثار على البنية الاجتماعية، قد لا تبدو سريعة، ولكنها ماضية في التفاعلات الجوهرية التي ستفضي في وقت، يطول أو يقصر، بحسب القدرات والظروف الذاتية والموضوعية، وستفرز نتائج مهمة / جوهرية، يستحق أن تعتبر تاريخية.
ماري أنطوانيت ملكة فرنسا وزوجة لويس السادس عشر، لم تكن تدري أن الكلمة التي قالتها لجياع باريس حين ثاروا بوجه الجوع والظلم " فليأكلوا الكيك أذا لم يجدوا الخبز"، هذه الكلمة التي ستكون الشرارة التي تأجج الثورة ... جملة تدل في جوهرها على عمق التناقض الطبقي / الاجتماعي. الذي لم يكن ظاهرا بصورة ملحوظة، فرنسا لم يكن بها عام الثورة 1789، حزبا طبقياً، ولا وطنيا قومياً، ولكن التناقض والصراع الطبقي كان يحفر بصورة رهيبة في المجتمع الفرنسي، قاد تراكمها إلى انفجار لم يكن مخططا له، وصنع التاريخ قد لا يحتاج لمخططين ... ولكن لمن يقود الدث أو الاحداث إلى نتائج ..... نتائج تتوج المرحلة ...
سوف لن نفهم بسهولة كيف حدث الانتصار التاريخي للثورة السورية المجيدة، ما لم نفهم القواعد العلمية التطور التاريخي، فخندق ومتراس كالذي كان النظام الاسدي قد تخندق وتمترس وراءه، صمم لكي لا يسقط ولا تغرقه الاحداث، ولكن هيهات أن تتحدى الحتمية التاريخية، صحيح أن الناس يحفظون جدول الضرب، ولكن لا يؤمنون بعلميته، وأن نتائجه حتمية، مهما تفنن عباقرة القمع والقتل، فالقراءة الأولية لمعطيات الموقف في سوريا كانت تشير إلى استحالة حدوث نهوض شعبي بوجه الطغيان ولكن سيف التاريخ لا يعرف الاستحالة، وما حدث أفضل دليل وبرهان.
كنت (ولا فخر) قد توصلت ليقين تام (أقول تام)، بعد الانتفاضة بشهور قليلة، أن النظام الاسدي ماض للنهاية الحتمية المؤكدة. لأن صدعاً خطيراً أصاب الوطن السوري فاختلت التوازنات بشدة، وانحدرت وسقطت قواعد الأمن والوطن والمجتمع، ولم يعد واقفا على قدمية إلا بفعل معالجات / تدخلات خارجية، وحتى هذه سوف لن تنقذه، والمسألة قضية وقت فحسب، ربما سوف لن يموت فورا بسبب المغذيات الموصولة بجسده، توصل له الدم، وآخر الاوكسجين، وآخر مضاد للألتهابات، وآخر مغذي، وجهاز ينشط الكبد، والآخر للكلى، وجهاز ينظم ضربات القلب، وآخر للرئة، ومليارات تهطل عليه من دول وقوى، تريد إبقاء هذا اللغم في قلب الأمة أجهزة ضخمة عملاقة تحاول عبثاً إبقاء المحتضر على قيد الحياة.
ولكن هذه القدرات (الخارجية) سوف لن يكون بوسعها إنتاج شعب بدل الشعب الذي يحاولون إبادته، ولا صناعة جيش من الورق، ولا اقتصاد بحراثة الهواء، ولا جماهير تدافع عنه، ولا حزباً قوميا تاريخياً أوصل الأسرة التعيسة للحكم وكل هذه العناصر المادية كانت متوفرة وبجود عالية حطمها النظام بنفسه على مدى 54 عاماً .... لاحظ بطأ العملية .... وصبر صناع التاريخ ..!
فلأحولها لكم للدقة والتأكيد إلى أرقام مستعيناً بورقة وقلم ...!