الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الإخفاق الإستخباراتي.. كيف فشلت إسرائيل في توقّع هجوم 7 أكتوبر؟

بواسطة azzaman

الإخفاق الإستخباراتي.. كيف فشلت إسرائيل في توقّع هجوم 7 أكتوبر؟

رائد العزاوي

 

 

قبل وقت طويل من هجمات حماس في 7 أكتوبر 2023، كانت إسرائيل تمتلك أدلة استخباراتية وفيرة تشير إلى أن شيئًا غير عادي يجري التحضير له في غزة. إذ كانت تل أبيب على علم منذ أكثر من عام بوجود خطة سرية لحماس تتضمن غزوًا واسع النطاق، كما رصدت قواتها تدريبات مكثفة تحاكي اقتحام مواقع عسكرية ومستوطنات مدنية، بالتزامن مع تحذيرات أطلقها مسؤولون أمنيون من أن الجدل السياسي الداخلي والاحتجاجات الشعبية جعلت البلاد في وضع أمني ضعيف وغير مستعد لمواجهة أي تهديد محتمل.

في الليلة التي سبقت الهجوم، اكتشف جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «الشاباك» أن المئات من عناصر حماس قاموا بتفعيل خدمات الهواتف المحمولة عبر الشبكات الإسرائيلية، وهو مؤشر قوي على نيتهم التوغل في إسرائيل خلال وقت قريب. ومع تقدم الليل، التقطت الاستخبارات إشارات على أن بعض قادة حماس دخلوا في حالة اختباء، وأن وحدات النخبة بدأت في التجمع بمواقع مختلفة حول القطاع، مما كان ينبغي أن يثير حالة استنفار قصوى داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. لكن رغم هذه المؤشرات، قررت القيادات الاستخباراتية تأجيل إعادة التقييم إلى الصباح، الأمر الذي مكّن حماس من تنفيذ هجومها المفاجئ، تمامًا كما ورد في الوثائق التي كانت إسرائيل قد حصلت عليها قبل عام. وأسفر ذلك عن مقتل نحو 1,200 شخص، بالإضافة إلى أسر 250 آخرين إلى غزة.

التقرير الإسرائيلي

أصدر الجيش الإسرائيلي هذا الأسبوع تقريرًا رسميًا يوثق أوجه القصور الاستخباراتي قبل الهجوم، مشيرًا إلى وجود فشل استراتيجي واسع النطاق، تخللته أخطاء فردية ارتكبت على مدار الأشهر التي سبقت الهجوم. ولفت التقرير إلى أن طبيعة هذه الإخفاقات تتشابه مع إخفاقات استخباراتية سابقة على مدار التاريخ، حيث غالبًا ما يكون التركيز على التفاصيل الصغيرة سببًا في فقدان القدرة على رؤية الصورة الكاملة للتهديدات الأمنية الحقيقية.

ويعد هذا النمط من الفشل شائعًا في الأوساط الاستخباراتية، حيث يصعب التنبؤ بالأحداث الكبيرة أثناء وقوعها، رغم أن تحليلها لاحقًا قد يبدو سهلًا. وينبع هذا الإخفاق من حقيقة أن الاستخبارات ليست علمًا دقيقًا، بل هي مزيج من التحليل والمعلومات والافتراضات، حيث يعتمد العملاء على مصادرهم لبناء تصورات قد تكون بعيدة عن الواقع أو يصعب تغييرها عند ورود معطيات جديدة. كما أن عمليات التضليل المتعمدة من الخصوم، والتطورات غير المتوقعة، قد تؤدي إلى إرباك المشهد الأمني.

إخفاقات متكررة

يرى المؤرخ جون فيريس، أستاذ التاريخ بجامعة كالغاري والمتخصص في دراسة الإخفاقات الاستخباراتية، أن أحد أبرز أسباب الفشل الاستخباراتي يتمثل في صعوبة تقبل صناع القرار لمعلومات تتعارض مع افتراضاتهم المسبقة. ويوضح أن هذه الظاهرة تكررت في مناسبات عديدة عبر التاريخ، حيث فشلت دول كبرى في استيعاب مؤشرات واضحة على هجمات وشيكة.في حالة إسرائيل، كان الاعتقاد السائد أن حماس تمارس ضغطًا سياسيًا للحصول على امتيازات اقتصادية، عبر التصعيد والاحتجاجات على الحدود.

واعتقد القادة الأمنيون أن هدف حماس كان انتزاع المزيد من تصاريح العمل للغزيين، وليس شن هجوم عسكري شامل.

حرب علنية

هذا التصور الخاطئ جعل الجيش الإسرائيلي يتجاهل التحذيرات، رغم أن الجماعة كانت تستعد للحرب بشكل علني.

وتكرر هذا الخطأ بشكل مشابه قبل حرب أكتوبر 1973، حيث تجاهلت إسرائيل تحذيرات استخباراتية أكيدة تفيد بأن مصر وسوريا تستعدان لشن هجوم عسكري منسق. حينها، تلقت تل أبيب تحذيرًا مباشرًا من مسؤول مصري رفيع المستوى قبل يومين فقط من بدء الحرب، لكن القيادة الإسرائيلية اعتبرت أن الأمر مجرد خدعة تهدف إلى تضليلها.وقد وقعت الولايات المتحدة في الخطأ نفسه قبيل الهجوم الياباني على بيرل هاربر عام 1941، عندما تجاهلت إشارات استخباراتية أكدت أن اليابان تستعد لشن ضربة عسكرية مفاجئة. حينها، كان الأسطول الياباني قد اختفى من المحيط الهادئ، والتقطت الاستخبارات الأمريكية رسائل مشفرة تشير إلى إنهاء المحادثات الدبلوماسية، كما التقطت أنظمة الرادار الأمريكية 183 طائرة معادية قبل ساعة واحدة فقط من الضربة.

لكن القيادة العسكرية لم تتخذ أي إجراءات احترازية، معتقدة أن اليابان غير قادرة على خوض حرب ضد الولايات المتحدة.أما الاتحاد السوفيتي، فقد ارتكب خطأ استخباراتيًا جسيمًا قبل غزو ألمانيا النازية عام 1941.

إذ قدمت الاستخبارات السوفيتية لجوزيف ستالين أدلة قاطعة على استعداد هتلر لشن هجوم واسع، لكن ستالين رفض تصديق ذلك، معتقدًا أن ألمانيا لن تخوض حربًا ضد موسكو رغم كل المؤشرات الواضحة.يرى التقرير الإسرائيلي أن أحد أسباب الفشل الرئيسي كان الثقة المفرطة في قدرات الاستخبارات، والاعتقاد بأن إسرائيل تمتلك معلومات دقيقة عن كل ما سيحدث. ويقول أحد الضباط الذين عرضوا نتائج التحقيق على الصحفيين: «لقد أصبحنا مدمنين على المعلومات الاستخباراتية الدقيقة. الإدمان يكمن في الاعتقاد بأنك تعرف كل شيء».

وأضاف: «في بعض الأحيان، تعتقد أنك تفهم نوايا العدو بدقة، لكن هذا الإدمان على المعلومات جعلك تتجاهل الإشارات التي لا تتناسب مع تحليلك المسبق».

كما أقر مسؤولو الاستخبارات بأنهم عززوا ثقافة استبعاد الآراء التي تتعارض مع الرؤية السائدة، رغم أنهم حاولوا معالجة هذه المشكلة بعد فشل 1973.

حين تم إنشاء وحدات استخباراتية مهمتها تقديم تقييمات بديلة لمواجهة أي انحيازات في التقدير الأمني.

الإجراءات الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر

في أعقاب الهجوم، تبنت إسرائيل استراتيجيات أمنية جديدة، ولم تعد تعتمد فقط على الإنذارات المبكرة. فقد أنشأت مناطق عازلة على طول حدود غزة، وأحكمت سيطرتها على المرتفعات في جنوب لبنان بعد تدمير بنية حزب الله التحتية هناك، كما تخطط للبقاء في مناطق داخل سوريا قبالة مرتفعات الجولان، مع إصرارها على إبقاء أجزاء من جنوب سوريا منزوعة السلاح.

وجاء في تقرير الجيش الإسرائيلي: «لا يمكن إدارة الصراع مع عدوّ هدفه تدميرك».

دروس مستفادة أم إخفاقات ستتكرر؟

رغم أن إسرائيل استخلصت دروسًا قاسية من هجوم 7 أكتوبر، إلا أن التاريخ يُظهر أن الأخطاء الاستخباراتية تميل إلى التكرار مع مرور الزمن. ويبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن تل أبيب من تفادي تكرار هذه الإخفاقات في المستقبل، أم أن ثقتها المفرطة بأجهزتها الأمنية ستوقعها في فخ مفاجآت جديدة؟

إسرائيل في عين العاصفة: اقتصاد يترنح وحرب تفتح أبواب المجهول

مع استمرار الحرب في غزة ولبنان، شهد الاقتصاد الإسرائيلي تراجعًا حادًا بفعل النفقات العسكرية الضخمة، وعمليات التعبئة الاحتياطية التي أثرت على القوى العاملة. كما تكبدت إسرائيل خسائر فادحة في البنية التحتية، حيث تعرضت مئات المباني والمرافق الحكومية والمنازل السكنية للتدمير بفعل الصواريخ التي أطلقتها حماس وحزب الله، فضلًا عن التكاليف الباهظة لإعادة الإعمار. وفقًا لتقديرات اقتصادية، فإن تكلفة الحرب على إسرائيل تجاوزت 50 مليار دولار حتى الآن، مع انخفاض كبير في النمو الاقتصادي وزيادة العجز المالي.

كما تأثر القطاع السياحي بشكل ملحوظ، حيث شهدت إسرائيل انخفاضًا حادًا في أعداد السياح، ما أدى إلى إغلاق العديد من الفنادق والمرافق السياحية. وتعرضت شركات الطيران الإسرائيلية لخسائر فادحة بسبب تراجع الرحلات الجوية وإلغاء العديد منها، مما أدى إلى زيادة الضغط على الاقتصاد. كما أدى الهبوط في سوق الأسهم الإسرائيلي إلى فقدان المستثمرين الأجانب الثقة في استقرار الدولة، مما دفع بعضهم إلى نقل استثماراتهم خارج إسرائيل.

إضافة إلى ذلك، تسببت الحرب في تراجع الاستثمار الأجنبي في إسرائيل، كما شهد سوق العقارات انخفاضًا حادًا بسبب مخاوف أمنية متزايدة. كما أن استمرار القتال في جبهتين مختلفتين—غزة ولبنان—جعل الاقتصاد الإسرائيلي يعاني من ضغوط غير مسبوقة، مما أدى إلى هجرة بعض الشركات والمستثمرين إلى دول أكثر استقرارًا.

من ناحية أخرى، دخلت إيران على خط المواجهة عبر هجمات صاروخية متبادلة مع إسرائيل، مما زاد التوتر في المنطقة وأدى إلى تصعيد عسكري غير مسبوق. حيث قامت إيران بإطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة نحو إسرائيل، في حين ردت إسرائيل بسلسلة من الغارات الجوية التي استهدفت منشآت عسكرية ومراكز حساسة داخل إيران، مما زاد من احتمالية اندلاع حرب إقليمية شاملة.

وفي تطور خطير، قُتل حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، في غارة إسرائيلية دقيقة استهدفت موقعًا سريًا كان يجتمع فيه مع كبار قادة الحزب. وقد أدى مقتله إلى اضطراب في صفوف حزب الله، حيث اندلعت احتجاجات واسعة في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي مناطق أخرى داخل لبنان. كما سارعت إيران إلى إصدار بيانات شديدة اللهجة، متوعدة بالانتقام، مما خلق حالة من التوتر الشديد على الساحة الإقليمية.

أدى مقتل نصر الله إلى تغييرات هيكلية داخل حزب الله، حيث بدأت القيادة في البحث عن خليفة له، وسط انقسامات داخلية بين جناح يفضل التصعيد ضد إسرائيل وآخر يسعى إلى إعادة ترتيب الصفوف قبل الدخول في مواجهة مفتوحة. كما عززت إسرائيل من تواجدها العسكري في الشمال تحسبًا لردود فعل عنيفة، مع إعلان الجيش الإسرائيلي عن نشر أنظمة دفاعية متطورة في المدن الكبرى لمواجهة أي تصعيد محتمل.

هذه التطورات المتلاحقة تشير إلى أن المنطقة أمام تصعيد طويل الأمد قد يغير موازين القوى في الشرق الأوسط، ويعيد تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية. وفي ظل هذه التحديات، تبقى إسرائيل أمام معضلة أمنية واقتصادية كبيرة، حيث أصبح من الصعب عليها الاعتماد فقط على التفوق العسكري دون اتخاذ تدابير سياسية واستراتيجية أكثر شمولًا.

*مدير مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية

 

 


مشاهدات 36
الكاتب رائد العزاوي
أضيف 2025/03/04 - 3:06 PM
آخر تحديث 2025/03/05 - 5:30 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 124 الشهر 2254 الكلي 10463203
الوقت الآن
الأربعاء 2025/3/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير