جريمة عقوق الوالدين في القانون
آسامة عبد الهادي العبيدي
يبدأ إثم عقوق الوالدين بقوله تعالى: ”وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا“. وقد كانت هذه الجريمة ترتكب بحق الوالدين منذ القدم، ولكن مع ازدياد نسبة ارتكابها وضع المشرع العراقي التعديل الأخير الذي يشير إلى المادة 384 (ثانياً) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، المادة 384 (ثانياً) عرفت جريمة عقوق الوالدين بأنها جريمة يرتكبها الولد ضد والديه أو ضد أحدهما، ويمكن تعريفها بأنها كل فعل أو قول أو امتناع عن فعل، سواء أكان ذكراً أم أنثى، من شأنه إذا ارتكبه الطفل أن يلحق ضرراً بوالديه أو أحدهما. وقبل التعديل، كان القضاة يؤيدونه بسبب إشارة المادة إلى جرائم مثل الضرب والتهديد والإهانة والتقليل من شأنهما، لكن التعديل الأخير يجعل (السب والصراخ والتبرؤ والهجر وغيرها من الجرائم) يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات وغرامة مالية. ويعد هذا التعديل من أكثر التعديلات الجديرة بالثناء في القانون الجنائي. وذلك لأن هذا التعديل يجرم التخلي عن الطفل الذكر أو الأنثى من قبل أحد الوالدين أو كليهما أو الإساءة أو الإهانة أو غير ذلك من العقوق للوالدين. فإذا رفع أحد الوالدين أو كلاهما دعوى ضد الطفل أمام القضاء، لم يكن بإمكانهما اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الطفل، لأنه على الرغم من أن الوالدين قد عانيا من الضيق النفسي بسبب هجر الطفل، إلا أنهما كانا مقيدين بقاعدة (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني) لعدم وجود نص قانوني يجعل من الجريمة جريمة جنائية. إلا أن التعديل المذكور يوسع التعديل المذكور قاعدة التجريم فيما يتعلق بالأفعال المسيئة للوالدين ويمنح القضاء صلاحيات أوسع، بحيث يشمل كل فعل يسيء إلى أحد الوالدين أو أحدهما، كما يقدرها القاضي في ضوء شكوى الوالدين والظروف التي ارتكبت فيها الجريمة، بما يردع الأطفال ويضع حداً لإساءة معاملة الوالدين, تقويم سلوك الأفراد داخل الأسرة. وتبقى الأسرة هي اللبنة الأساسية في أي مجتمع، والمطلوب منها أن تكون متماسكة متراصة ومترابطة ومتعاونة فيما بينها، فالعلاقة بين الأبناء والآباء متينة وفق أحكام الشريعة الإسلامية ونتيجة لذلك فإن المجتمع يتمتع بأخلاق حميدة. كما أن نسبة حوادث الاعتداء على الأبناء على الوالدين قد ازدادت بسبب زخم متطلبات الحياة وانشغال الأبناء عن والديهم بسبب الإسراف في استخدام الإنترنت والمواقع الإلكترونية وهذا مؤشر خطير على وجود خلل في المنظومة الأسرية، والمشرع العراقي يحمي الأسر من التفكك والتشتت, وفي المقابل وحفاظاً على المجتمع تم مؤخراً صياغة تعديل لتجريم عقوق الوالدين وتوسيع نطاق الأفعال التي تعتبر مجرمة ويعاقب عليها القانون عند ارتكابها من قبل الأبناء ضد والديهم.