لم يكن يومي على تمام بوصلتي والريح التي تعبىء بطن شراع سفينتي. سوء الحظ أتى بي إلى شاشة خاصة بعرض الأفلام الوثائقية المنشغلة بالجغرافيا والتأريخ واكتشاف الأنهر والجبال والكهوف والناس المنعزلة والعادات العجيبة والمقامرات التي قد تؤدي إلى الموت المباغت كما أشار بطل الشريط وصاحبته التي تعمل بباب التمثيل الإحترافي الهوليودي الجميل . أحببت ربع الساعة الأولى من الشريط ، ثم حدث شيء كدت معه أفرغ معدتي فوق بساط عصر بدا زاحفاً صوب غيابٍ مهيب .
إقترح الفتى على صويحبته في تلك الرحلة العجيبة تناول أكلة كان جربها بيوم حوصر فيه وثلة رفاق مجانين بكهف مظلم تنير بعض دقائقه زخات وومضات من البرق والرعد والمطر الشديد وعواء ذئاب وأشجار ضخمة تنود وترقص كأنها حفلة غيلان ووحوش .
وافقت البنت فقام صاحبها بجلب علبة ألمنيوم وقدمها لها ، ولما نظرت ببئرها فزت وعاطت وتعجبت واستنكرت وهالها منظر فأر صغير ما زال فمه ملطخاً بدمٍ يابس ، ثم وقفت على طولها وتشنجت حتى كاد ثدياها يهربان من بين أزرار القميص !!
لكن الولد الأرعن أصر على الأمر وطلب من الحلوة أن تختلي وراء شجرة كثيفة في الجوار لتملأ الصفيحة ببولها ، فضحكت وتمايلت ثم وافقت واستسلمت وشخّت حتى ملأت الوعاء ببول دافىء لا شك فيه ولا جدال .
كان المنقل قد تجمّر بباب الخيمة وحان وضع القدر على طقطقة الجمر ورماد الحماقة ، وما هي سوى حفنة دقائق حتى نضجت الطبخة الحقيرة .
قالت له إبدأ أنت فشرع في قطعة من جسم الفأر المسكين وازدردها معلناً عن تقزيز عظيم وبداية تستحق التضحية . بعدها فعلت الفتاة الممثلة نفس ما فعله وأخبرته بأن طعم هذا الحساء طيب على غير ما كانت تظن وتبطن !!
قبل أن أتحامق وأحطم شاشة التلفزيون ، ظهر الكائنان المنفران بمشهد منفصل وهما على درجة هائلة من البهجة وقالا بصوت ملتبس بعضه ببعضه ، إنّ حياة الغابة والرغبة بالكشف تستحق شيئاً من الأوقات الصعبة !!
هل كان عليَّ أن أسرد عليكم هذه الواقعة وأنتم تدلفون إلى العشرة الثانية من رمضان ؟!