قصة قصيرة ..
نور السالكين ...
نوري جاسم 

في إحدى الليالي الهادئة، جلس احد الدراويش وهو رطل كبير في السن واسمه الحاج ياسين على سجادته في الغرفة الصغيرة في التكية الكسنزانية، وكانت أنفاسه تردد أسماء الله سبحانه وتعالى، بينما عيناه مغمضتان، وكأنه يستمع لصوت من عوالم بعيدة، دخل شاب صغير يُدعى عمار، وجهه يكسوه القلق والاضطراب، جلس أمام الحاج ياسين وقال له : "خليفة حاج ياسين، لا أجد في حياتي سلامًا، اجدني في حالة قلق نفسي شبه دائم، اشعر بنقص وكأن شيء قد ضاع مني، ابحث عن الراحة النفسية والطمأنينة ولا اجدها، اريد حل، فقال له الحاج ياسين انت بحاجة إلى سلوك طريق النور، فقال له عمار الشاب الحائر لكن كل الطرق تبدو مظلمة، ابتسم الحاج ياسين وقال له : "يا بني، النور ليس في الطرق الخارجية، بل هو في داخلك، ولكن عليك أن تزيل الحجب حتى تراه." سأل عمار بحيرة: "وما هي هذه الحجب؟" رد الحاج ياسين : "هي حب الشهوات الحرام، الكراهية، الطمع، والحسد. والغيبة، والنميمة، إلى آخره من صفات النفس الأمارة بالسوء، وعندما تغسل قلبك بماء الحب والصدق والإخلاص، وتزرع فيه بذور السلام، ستجد النور الذي تبحث عنه." ثم أخذ الحاج ياسين بيد عمار وقال له : "تعال معي." قاد الحاج ياسين عمار إلى باحة التكية الكسنزانية، حيث كانت شجرة زيتون قديمة تقف شامخة، وقال الحاج ياسين لعمار: "هذه الشجرة تبدو صامدة وقوية، لكنها مرت بعواصف ورياح، جذورها عميقة في الأرض، لذلك لم تسقط، وهكذا هو قلب السالك الحقيقي، عندما تكون جذوره متصلة بقلب استاذه، وحبيبه سيدنا محمد صلى الله  تعالى عليه وآله وسلم، وبالله جل جلاله، لا تهزه أي عاصفة." شعر عمار  بشيء يتحرك في أعماقه، وكأنت كلمات الحاج ياسين قد لامست شيئًا دفينًا، وعادا إلى الغرفة الصغيرة في التكية، وجلس عمار بجانب الحاج ياسين ، ليبدأ رحلته الروحية الشاقة والشيقة، في طلب نور الحقيقة المحمدية في منهج التربية إلروحية والسلوك في الطريقة العلية القادرية الكسنزانية، مرت السنوات، وأصبح عمار نفسه مرشدا في الطريقة الكسنزانية. كان يعلم المريدين أن النور الذي يبحثون عنه ليس بعيدًا، بل هو أقرب إليهم من حبل الوريد، شرط أن يزيلوا حجبهم، ويملأوا قلوبهم بالحب والرضا، وكان عمار دائمًا يردد: "الطريق إلى الله هو طريق إلى نفسك الحقيقية، فاعرف نفسك، تجد ربك، وصلى الله على سيدنا محمد الوصف والوحي والرسالة والحكمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليما  ...