الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
أزمة التدريب العملي

بواسطة azzaman

هاشتاك الناس

أزمة التدريب العملي

ياس خضير البياتي  

 

منذ سنوات بعيدة، ونحن نتحدث عن أزمة التدريب العملي لطلبة أقسام الإعلام، ومازالت المشكلة كما يبدو حاضرة بقوة اليوم، رغم وجود تطور نسبي في وجود مختبرات التدريب في كليات الإعلام، لكن المشكلة ما زالت حاضرة في نقص المختبرات وأدوات وتقنيات التدريب قياساً بأعداد الطلبة. فالمشكلة التي تُواجِه هذه الأقسام اليوم لا تكمُن في عدد حصص التدريب؛ وإنما في فاعلية التدريب وقدرته على تحقيق النجاح، خاصة في ظل نقص الكوادر التدريسية من ممارسين وفنيين ومبتكرين في مجالات الكتابة الصحفية والعمل الإذاعي والتلفازي، والتقنيات الرقمية الحديثة.

 شخصيًا، كنت أميل من خلال إدارتي لكليات الإعلام وأقسامها محليًّا وعربيًّا، إلى اختيار المدرسين المتمرِّسين للتدريس والتدريب، والفنيين المتفوقين مَهاريًّا في مختبرات التدريب. فقد واجهت صعوبة مع أولئك المدرسين الذين يحملون شهادة الدكتوراه في الإعلام؛ لكنهم لم يَروْا في حياتهم مطبعة أو أستوديو إذاعي أو تلفازي، ولم يكتبوا أبدًا خبرًا إعلاميًّا؛ بل إن بعضهم كان عدوا للكتاب الثقافي والفكري

سأكون أكثر وضوحًا: هناك فرق بين الثقافة النظرية والمهارات العملية. كلاهما مهم، فالطلاب يمكنهم الحصول على المواد النظرية من المواقع الإلكترونية بمختلف أشكالها، بما في ذلك النصوص والصور والأصوات، وبتقنيات التدريس الحديثة والابتكارات الرقمية. هذا لا يعني بالطبع دعوةً لإلغاء الجانب الأكاديمي من حياة الطالب. بينما في التدريب عن بُعد، لا يمكن للطالب أن ينجح في مهمته إلا إذا كان مشاركًا فاعلًا، ومتفاعلًا ميدانيًّا مع الأجهزة الإعلامية، وممارسًا لها من خلال التطبيق العمليّ.  وهذا هو سبب الشكوى المتكررة من المؤسسات الإعلامية تجاهَ خريجي كليات الإعلام؛ حيث يلاحظون ضعفَ مهاراتهم الإعلامية، وقلَّة المستوى الثقافي والمعرفي، وعدم قدرتهم على فهم أبسط فنون التخصص، بالإضافة إلى ذلك، يُعاني هؤلاء الخريجون من الفجوةَ الكبيرة بين ما يتم تدريسُه في الجامعات وما يتم تطبيقُه في الواقع. وهناك مشكلة أكبر تتعلق بضعف مخرجات التعليم، والتي تنعكس -بدورها-على جودة التعليم الجامعي بشكلٍ عام، وعلى التعليم الإعلامي بشكلٍ خاص

اليوم، يبدو أن التحديات في أقسام الإعلام الرقمي أكبر من تلك التي تُواجه أقسامَ الإعلام التقليدي. يُعزى ذلك إلى نُدرة المختبَرات الرقمية في الكليات؛ نتيجة تقصير المستثمرين -وليس الإدارة الجامعية-. بالإضافة إلى ذلك، هناك ضعفٌ في المهارات اللازمة للتعامُل مع المواد الإعلامية الرقمية، فضلًا عن عدم مواكبة هذه الأقسام للتطورات السريعة في صناعة الإعلام. فهذه الأقسام بحاجة إلى مدرِّسٍ يجيد الحاسوب وبرامجه، وتقنيات الإعلام الرقمي، وإنتاج وتصميم المحتوى على منصات الإعلام الرقمي

يجب الاعتراف بوجود فجوة بين التعليم الأكاديمي التقليدي والمهارات العملية المطلوبة في سوق العمل. لذلك، يتعين تعزيز التنسيق بين المناهج الدراسية واحتياجات المؤسسات الإعلامية، وزيادة مُدد التدريب والتأهيل. يتطلب الأمر أيضًا تطوير قوة عمل تعتمد على الخبرة والتدريب الحديث، بالإضافة إلى التمرّن على التعامل -بشكلٍ واقعيٍّ وأكاديميّ-مع وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، خاصة في مجالات التطبيقات الرقمية، والفيديو، والمونتاج

عندما أتحدث عن هذه الظاهرة، لا بد لي من تسجيل حقيقة مهمة: وهي أن هناك تطورًا ملحوظًا في كليات الإعلام؛ حيث تم توفيرُ المختبرات والأستوديوهات الحديثة؛ لدعم عملية التدريب والتأهيل الإعلامي. ورغم ذلك، تحتاج هذه الكليات إلى توفير كادرٍ تدريسي مؤهَّل؛ إذ يُوجد نقصٌ واضحٌ في أقسام الإعلام الرقمي والتكنولوجيا الإعلامية الرقمية.  في زيارتي الأخيرة لكلية الإعلام في [جامعة بغداد]، بعد أن تركتُها عام (1996) مُسافرًا خارج العراق، سعدت كثيرًا برؤية المجمع التدريبي الذي يضم إذاعةً للبث المباشر، وأستوديو حر لتدريب الطلبة، وأستوديو (19) التلفازي، وغرفة لتعلُّم المونتاج التلفازي، بالإضافة إلى مختبر مخصص للحاسبات المتصلة بشاشات ذكية، ومختبر المونتاج الذكي، وآخر للإلقاء. لقد أسعدني حقًا أن أرى كليتي قد حقَّقت هذا التطورَ بفضل الإدارات المُتعاقبة

في تجربتي مع جامعة النور ورئاستي لقسم الإعلام الرقمي، أجِدُ أن هذا القسم في وضعٍ أفضلَ، مقارنةً بالأقسام المماثلة؛ من حيث التجهيزات الفنية للتدريب. وعلى الرغم من كونه قسمًا جديدًا لم يمض على تأسيسه أقل من عامين؛ فإنه يحتوي على مختبرات رقمية متطورة، وهناك مختبرات جديدة قيدَ الإعداد ستُطلَق قريبًا، بالتزامن مع زيادة عدد الطلاب، والانتهاء من بناء المرافق الجديدة. ولم يكن هذا ليحدُث لولا الدعمُ المالي من المستثمر، وإيمانه بدور الإعلام في حياتنا المعاصرة، وكذلك بأهمية التدريب في نجاح العملية التعليمية

قبل أيام، احتفلت الجامعة بالذكرى الثانية لتأسيس إذاعة (النور)، وهي إذاعة تعليمية ثقافية اجتماعية، تبث برامجَها مباشرةً من [جامعة النور] في نينوى. حققت هذه الإذاعة صدىً جماهيريًّا مميزًا؛ بفضل ما تُقدمه من محتوىً إذاعيٍّ شائق ورصين. ومن باب الوفاء نقول، لقد لعبت (إذاعة النور) دورًا مهمًّا في تدريب طلبة القسم، حيث ساهمت الخبرات الفنية والإعلامية الرفيعة للشباب العاملين فيها، في تأهيل الطلاب للعمل في مجالات الإذاعة والإخراج والمونتاج. كما استطاعت الإذاعة تأهيلَ بعض الطلبة لتقديم البرامج على الهواء مباشرةً منذ السنة الأولى

بإيجاز، تحتاج أقسام الإعلام إلى المواءمة بين المعارف والمهارات والتطبيق العملي، ومواكبة تطورات سوق العمل، ومتطلبات التحول الرقمي، والربط بين المناهج الأكاديمية والممارسة العملية، وتوفير بيئة تعليمية معززة بالمختبرات المخصصة للتجريب وتقديم المحتوى، وتمكين الأساتذة من مهارات التقنيات الجديدة ،وتطوير أساليب التدريس لاسيما في الدروس النظرية من خلال اعتماد الصور وتوظيف الوسائط المتعددة والسرد القصصي ، مع التركيز على تكوين طلبة يمتلكون المعرفة والوعي بالإعلام ومضامينه.

 

yaaas@hotmail.com


مشاهدات 91
الكاتب ياس خضير البياتي  
أضيف 2025/02/09 - 4:43 PM
آخر تحديث 2025/02/10 - 6:57 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 424 الشهر 5378 الكلي 10400749
الوقت الآن
الإثنين 2025/2/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير