الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
على أعتاب الموازنة

بواسطة azzaman

على أعتاب الموازنة

نهله الدراجي

 

في مشهد يومي مؤلم وحزين، تمتد يد مرتعشة باتجاه حاوية القمامة بحثًا عن بقايا كرامة مهدورة وكسرة خبز يابسة. عيناه الغائرتان تروي قصة وطن، وتجاعيد وجهه تحكي معاناة شعب. هذه ليست يد متسول في أي بلد، بل يد مواطن عراقي من أبناء أغنى بلد في العالم. إنها مفارقة صارخة تستفز الضمير الإنساني وتطرح العديد من التساؤلات.

بلد تتدفق فيه الثروات كأنها من ذهب أسود، وتقدر موازنته بأرقام فلكية، نجد من يبحث عن كسرة خبز في القمامة. كيف يمكن لعقل أن يستوعب هذا التناقض المرير؟ وكيف لضمير أن يهدأ أمام هذا المشهد القاسي؟ لم تعد الأرقام تعني شيئًا عندما يكون الإنسان، وهو أغلى ما في الوجود، مهاناً ومكسور الكرامة. فما قيمة التريليونات التي تتراقص في الموازنات والمؤتمرات إذا كان هناك طفل ينام جائعاً، أو أب يضطر لإذلال نفسه بحثًا عن طعام؟ ليست القضية في حجم الموازنة، بل في عدالة توزيعها. ليست المشكلة في شح الموارد، بل في آليات توزيع الثروة وإدارتها.

انزلوا إلى الشارع، اقتربوا من الناس، انظروا في عيون الأطفال الذين يلعبون بين أكوام القمامة، استمعوا لأنين الأمهات اللواتي يعانين الحرمان، وتخيلوا كيف يغزل الجوع خيوطه في أحشائهن. تحسسوا نبض الشارع الذي يئن تحت وطأة الفقر والحرمان.لا يهم أن تكون الموازنة تريليونية أو أكثر، ما يهم هو ألا تنام عائلة على الطوى في بلد يطفو على بحر من النفط. ما يهم هو أن تصل ثروات البلد إلى مستحقيها، وأن يشعر كل مواطن بأنه شريك في هذه الثروة. إن الأرقام الضخمة في الموازنات لا تعني شيئًا إذا لم تترجم إلى خبز على موائد الفقراء، وعلاج في المستشفيات، وتعليم في المدارس، وكرامة في النفوس. فهل من مجيب؟ أم ستظل صرخات الجياع تتردد في أزقة المدن، تختنق في حناجرهم، وتموت في صمت، بينما تستمر أرقام الموازنة في الارتفاع، وتستمر معها مأساة الإنسان في الانحدار؟

هل تساءلنا يومًا عن مصير هؤلاء الأطفال؟ كيف ينظرون إلى وطنهم؟ أي مستقبل ننتظر من جيل يترعرع على مشاهد الذل والحرمان في وطن الثراء؟ لا تخبرونا عن أرقام الموازنة، أخبرونا عن عدد الابتسامات التي رسمتموها على وجوه الفقراء، عن عدد العائلات التي انتشلتموها من براثن الفقر، عن عدد الأطفال الذين أعدتم إليهم أحلامهم المسروقة. فالإنسان أغلى من كل الأرقام، وكرامته أثمن من كل الموازنات.

إن الإنسانية ليست ترفاً أو شعاراً نرفعه في المحافل، بل هي حق لكل إنسان. وعندما نسمح بإهدار كرامة إنسان واحد، فإننا نفقد جزءاً من إنسانيتنا جميعاً. فالثروة الحقيقية ليست في عدد البراميل التي نصدرها، بل في عدد الابتسامات التي نزرعها على وجوه أبناء الوطن. ولنتذكر دائماً أن قيمة الأوطان لا تقاس بثرواتها، بل بكرامة مواطنيها.

 


مشاهدات 91
الكاتب نهله الدراجي
أضيف 2025/02/09 - 4:43 PM
آخر تحديث 2025/02/10 - 6:32 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 424 الشهر 5378 الكلي 10400749
الوقت الآن
الإثنين 2025/2/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير