الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
كورنيش الأحلام

بواسطة azzaman

كلام أبيض

كورنيش الأحلام

جليل وادي

 

شهور جافة أرهقتني، عمل متواصل أنهكني، وروتين يومي ممل، من البيت الى الدائرة في محافظة صغيرة حفظت كل أحيائها وأزقتها، لم أتمتع بإجازة طويلة منذ مدة، عطلة نهاية الاسبوع لا تكفيني، فغالبا ما أقضيها في تلبية حاجات العائلة، الالتزام بالدوام يحرمنا من النوم الصباحي الجميل، كم هو مزعج الاستيقاظ فجرا والانشغال بالاستعداد للعمل، فليس في وقتي متسع لتأمل شروق الشمس، او التلذذ بنسمات الصباح المنعشة في حديقة المنزل، لذا قررت طلب اجازة لمدة ثلاثة أيام للتجوال في عاصمتنا الحبيبة.

 رسمت مخططا ذهنيا يبدأ من الباب الشرقي، وهناك وجدت من المناسب أن استقل المترو الى مدينة الصدر التي مضت سنوات طويلة لم أرها، هذه المدينة التي تشكل نبض بغداد بشبابها، فعدد سكانها يربو على ثلاثة ملايين نسمة، ما يقرب من ثلث سكان العاصمة.

انطلق المترو وماهي الا عشرة دقائق واذا بي في محطة شارع الشركة، شاهدت عدم اكتظاظ الطرق بالسيارات، ما يستدعي في السابق أكثر من ساعة حتى نصل الى المكان الذي نبتغيه بسبب الازدحامات، ويبدو ان سكانها ما عادوا يستخدمون سياراتهم الشخصية، ذلك ان التنقل بالمترو رخيص جدا، وهذا ما جعل عدد الراكبين فيه كبيرا، وفي ذلك فرصة كبيرة للتفاعل الاجتماعي، فتحت هاتفي لأدون بعض المشاهدات، يحتاج التاريخ أن نوثق ملاحظاتنا.

لاحظت عندما يكون المترو فوق الأرض ان محطات تعبئة الوقود تكاد تخلو من المركبات، والجزرات الوسطية غاية في الروعة، مزروعة بمختلف أنواع الزهور، فضلا عن تجميل جوانب الشوارع بأشجار دائمة الخضرة.

ولأني احب الرياضة بوصفها سبيلا للصحة والرشاقة، عزمت على عدم استخدام المصعد الكهربائي للخروج من محطة (الزعيم)  التي تقع على عمق ثلاثين مترا، واستبدلته بالسلم الكونكريتي الذي صعدته بحذر شديد تحسبا من الانزلاق بسبب نعومته، ويقترب عرضه من عشرة أمتار، الجميل في المحطة ان جدرانها زينت بلوحات توثق للمدينة عندما كانت بيوتها من الصفيح، وأيام غرقت بمياه الأمطار، وعند نهاية السلم غمرتني فرحة عارمة بمشاهدة عمارات شاهقة أعلن عنها أمين العاصمة صابر العيساوي في العام 2007 بمشروع المدينة العصرية البديلة (10 x 10)، وبرغم مغادرة الرجل لمنصبه قبل اكتمال حلمه، لكن جهود من أعقبوه الحثيثة أكملت العمل، واذا بها جديدة بألوان براقة، واختفى أثر المدينة القديمة بأزقتها المتعبة وبيوتها الضيقة بمساحة (160) مترا، بيوت خانقة لساكنيها الذين تضاعفت أعدادهم بمرور السنوات، ما اضطرهم الى تقسيم كل بيت الى أربعة (مشتملات) وكأنها خنادق جيش، حتى ان أهلها لا يمكنهم استقبال ضيف بأريحية دون احراج

أدهشتني رؤية المارة وهم يشربون الماء من حنفيات موزعة بانتظام في أماكن متفرقة وبأشكال جذابة، ما يعني ان الماء زلال وصالح للشرب، حمدت الله ان بلادنا صارت مثل بلاد العالم، لا وجود فيها (لمي آروا)، وداعا للقناني الفارغة الملوثة لشوارعنا.

وبهذا لا حاجة لزيارة مدينة الشعلة او الحرية فنموذج مدينة الصدر يكفي لمعرفة ان المدينتين مسترخيتان ايضا، بالرغم من ان خط المترو ينتقل بك بسرعة فائقة ووقت قصير الى مدينة الكاظمية ومنها الى الشعلة، وينتهي عند منطقة تسمى ابراهيم الخليل بحسب لوحات الدلالة في المحطة، كما يمكنك  الانتقال الى محطة أخرى لا تبعد سوى مئتي متر مشيا على الاقدام لتستقل مترو (السلام) الذي يمر بالحرية ومنها الى الغزالية.

وبإلغاء جولة مدينة الشعلة والحرية توفر لي وقت لأقضي مسائي في دار الأوبرا بجانب الكرخ، ففي برنامجها لهذا اليوم عرض للأزياء التاريخية: السومرية والبابلية والآشورية في قاعتها الداخلية، وفي القاعة المفتوحة حفل موسيقي للأغاني الفلكلورية بقيادة المايسترو علاء مجيد، واذا ما تأخرت يمكنني المبيت في الفندق المجاور لها، بالرغم من ان سعر الليلة غال بعض الشيء، لكن لا مشكلة فغدا موعد استلام راتبي، فلا داعي للقلق كما هي الحال سابقا عندما لا تعرف موعدا محددا لاستلامه.

 بغداد اليوم أجمل من عواصم عديدة، تمتعوا بها، ولا أجد مبررا للسفر خارج العراق، اما رؤية البحر فأرجوكم الصبر على الحكومة ثلاثة أشهر فقط، سوف يكتمل كورنيش (الأحلام) في مدينة الفاو وبطول عشرة كيلو مترات، احتفظوا بمدخراتكم ولا تهدروها.

 

jwhj1963@yahoo.com

 


مشاهدات 49
الكاتب جليل وادي
أضيف 2025/12/27 - 5:44 PM
آخر تحديث 2025/12/27 - 10:44 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 802 الشهر 20460 الكلي 13004365
الوقت الآن
السبت 2025/12/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير