فم مفتوح .. فم مغلق

للصبر حدود

زيد الحلي

كلّما شعرتُ بالضيق، أمد يدي إلى هاتفي، لأستمع إلى أم كلثوم وهي تشدو بأغنية للصبر حدود، كلمات الشاعر عبد الوهاب محمد.

وحينها، أُبحر طويلاً في معاني كلمة الصبر؛ أتوقف عند مفترقاتٍ حياتيةٍ كثيرة، ألعن بعضها، وأفرح عند غيرها، لكن تبقى كلمة الصبر كُوة مُرة في فمي. وأسأل نفسي: هل يكون جزاء الود الصادق تجاه من ارتحتُ إليه هو التغاضي والصدود والتبرير؟

لم أجد جوابا شافيا سوى كلمة واحدة تتكرر بإلحاح: الصبر.

نعم، إن الصبر على من نهوى يتطلب قوة داخلية وحكمة عميقة. وقد وصفه الحكماء والشعراء بأنه “شجرةٌ جذورها مُرّة وثمارها شهية”، وأن الصابر “يُؤجر عليه أجراً عظيماً”، وقيل أيضاً: “الصبر صبران؛ صبر على ما تكره، وصبر على ما تحب”. وهو مفتاح النصر والفرح، ويحتاج إلى تحمل يشبه حلاوة الظفر التي تمحو مرارة الانتظار.

يقولون: اصبر، فبعد العسر يسر… لكن إناء الصبر عندي امتلأ، بل فاض!

فالصبر ليس مجرد قدرة على الانتظار، بل هو كيفية التصرف إزاء من تحدثت عنه أم كلثوم في أغنيتها؛ أن تكون قادرا على التحمل، وعلى التعامل بلطف مع الفروقات بينك وبين من تهوى.

فهل هذا هو الصبر حقا؟

المنطق يقول: لا تبالغ في ردة فعلك؛ فمن الطبيعي تماماً أن تشعر بنفاد الصبر أو بالانزعاج والإحباط تجاه من تحب. ليس مطلوباً منك أن تفرح حين يخيب أحدهم أملك أو يؤذيك بطريقةٍ ما. هنا، تحديدا، يكمن الصبر في التوازن بين مشاعرك وردّة فعلك.

هكذا ينصحني عقلي… لكن من أين لي تلك القوّة، وأنا ضعيف أمام نبضات قلبي؟

تمهل قليلاً أيها القلب الملتاع…

فالصبر يعني البقاء منفتحاً وحاضرا في الضمير، وألا نبتئس حين تسير الأمور على نحو مختلف عما توقعنا. وهو ينطوي على تقبل الشكوك، واليقظة الكافية لفهم المشاعر، حتى نتمكن من الاستجابة لها بتأن.

إن فلسفة الصبر، في جوهرها، خطّة محكمة للحياة؛ تساعدنا على المضي قدماً بثقة وعزيمة، وتحقيق قدرٍمن النجاح والسعادة في مختلف جوانبها.

رحم الله أم كلثوم… نعم، للصبر حدود!

Z_alhilly@yahoo.com