الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من بوش  الى نتنياهو تراثنا الثقافي بين النهب والتدمير

بواسطة azzaman

من بوش  الى نتنياهو تراثنا الثقافي بين النهب والتدمير

الزمان- الناصرية

جاء مقتل "المؤرخ"  عالم الآثار الصهيوني زئيف إيرليخ في جنوب لبنان في مقام النبي شمعون، بعد دخوله إليه ضمن فرقة جولاني العسكرية الغازية في شهر تشرين الثاني 2024، حدثًا ذا معانٍ كثيرة :السعي للقيام بعملية مسرحية مفادها ان هذا المقام تراث اسرائيلي وان الارض القائم عليها هي ارض اسرائيلية من خلال  البحث عن أدلة تاريخية مرتبطة بأرض إسرائيل , بل إنّ مجرد دخول الصهاينة إلى هذه المقام، ولو بصورة مؤقّتة، يُمثّل انتهاكًا صارخًا لقرار اليونسكو، ويُعبّر عن العنجهية الإسرائيلية التي، بدعم داعميها المعروفين، لا تقيم وزنًا للمجتمع الدولي ومنظّماته ومواثيقه وقوانينه، ولا سيما القانون الدولي الإنساني الذي تُمزّق إسرائيل أحكامه كل دقيقة.  وهذا الحدث يعد التذكير بأهيمه قراءة برنامج الآثاريين والصحفيين الملحقين, هذا البرنامج  الذي بدا مع الغزو الامريكي للعراق عام 2003 ؛حيث   تم دمج ما يقرب من 500 صحفي ومصور وطاقم إخباري داخل الوحدات العسكرية الأمريكية والبريطانية؛ وكان هناك 2000 صحفي آخر في الكويت. تمثل ممارسة الحاق  الصحفيين مع القوات العسكرية الغازية استراتيجية رئيسية لإدارة التعاطف والتماهي من قبل الجماهير المحلية مع قواتهم دون التعرض للعنف المفرط والخسائر في الأرواح. يمكن تعريف الحاق الصحفيين المعتمدين في العمل العسكري المباشر على أنه إدراج مُدار للغاية , حيث يتم إيواؤهم داخل وحدات عسكرية محددة تحت السيطرة المباشرة للسلطة العسكرية. وبناء على ذلك، فإن نظام الصحافة الملحقة هو محاولة لتحقيق التوازن بين الاحتياجات المختلفة للدوائر الأساسية الثلاث ((الصحافة، والجيش، والجمهور))  

   الصحفي المخضرم أوري أفنيري هو من صاغ كلمة "صحاهرة"، موضحًا أنه "في العصور الوسطى، كانت الجيوش مصحوبة بأعداد كبيرة من البغايا. وفي حرب العراق، رافق الجيشان الأميركي والبريطاني أعداد كبيرة من الصحافيين. لقد صاغ المعادل  لكلمة دعارة "صاحرة"، للإشارة إلى الصحفيين الذين يحولون وسائل الإعلام إلى عاهرات. الأطباء ملزمون بقسم أبقراط بإنقاذ الحياة قدر الإمكان. الصحفيون ملزمون بالشرف المهني في قول الحقيقة كما يرونها.

Press صحافة + prostitute عاهرة = presstitue صحاهرة

مزج كلمة صحافة مع عاهرة انتج كلمة جديدة  (صاحرة)

إن عالم الآثار الملحق يشبه الصحفي الملحق ، الذي ينتج أخبارًا متحيزة، والأسوأ من ذلك، أنه يصبح جزءًا من آلة الحرب.

صدر حديثا للأستاذ امير دوشي كتاب بعنوان (هل يستطيع الملحق ان يتكلم)   يسعى الكتاب الى قراءة نظام الصحفي والآثاري الملحق كما تجسد  عينيا في عمل الصحفيين والآثاريين الملحقين بالجيش الامريكي والبريطاني ومشاركتهم في الغزو الامريكي للعراق , وما صاحب ذلك  كارثة نهب المتحف الوطني العراقي بل دمار التراث الثقافي العراقي , بسب الفراغ الامي والفوضى التي  سببها الغزو.  ان نظام الصحفي والاثار الملحق  لا يغيب استقلالية  ومهنية الصحفي والآثاري حسب ، بل كذلك قدرته على  القراءة والتأويل و النقد ومن  ثم قدرته على قول  الحقيقة

ينقل  المؤلف عن لسان الدكتور الراحل  دوني جورج, مدير الدراسات في المتحف العراقي حينها عام 2003 ""قبل عام تقريبًا من غزو العراق عام 2003، تلقيت معلومات من مصدر موثوق للغاية تفيد بوجود أشخاص في إنجلترا، بما في ذلك البعض المشار إليهم باسم "العلماء"، الذين كانوا يشيرون إلى أن الشعب العراقي لم يفهم قيمة البقايا الإثارية في العراق. وأنهم لا يستحقونها، وأن النتيجة الواضحة لذلك هي إزالة المواد – سرقتها – من العراق ونقلها إلى إنجلترا. وصلني أن أحد الأشخاص علق قائلاً: "أنا أنتظر اليوم الذي تدخل فيه القوات الأمريكية بغداد، سأكون معهم وسأذهب إلى المتحف العراقي وآخذ ما أريد". وهذا، فعلا، ما حدث في نيسان2003 "

جاء الكتاب في ثلاثة فصول وثلاثة ملاحق:

   يقدم الفصل الاول مهاد فكري وتاريخي ومفاهيمي : من الخريطة العسكرية الى الخريطة الاثارية , وما هو المتحف؟ الاستعمار والنهب والاستشراق , والصحفي وعالم الاثار الملحق و نهب المتحف العراقي ,و مقارنة بين اهداف وخصائص والسمات التنظيمية لكل من: الجيش والصحافة وعلم ورجال الاثار. وكذلك قراءة في  التطبيق العملي لمفهوم (التجاذب )لعالم الآثار والصحفي "الملحق" ومشاركتهم في غزو عام 2003، لا سيما فيما يتعلق بقضية نهب المتحف الوطني العراقي في نيسان 2003  .التجاذب في جوهره هو التعايش بين المشاعر أو المواقف المتضاربة أو المتناقضة تجاه شخص أو شيء أو موقف. حيث قادتهم مشاركة عالم الآثار والصحفي إلى التجاذب. و غالبًا ما يُنظر إلى التجاذب على أنه نتاج للاختلافات الفردية في المشاركة والخبرة الثقافية والسياسية. اذ  يُفترض أن جذور التجاذب تعتمد على الأفراد، وتدفعها عوامل مثل قوة الموقف أو المعرفة الثقافية والسياسية .ومع ذلك، فمن الممكن تمامًا أن لا يعكس ازدواجية المواقف ميل الفرد الفردي لاستيعاب المطالبات المتنافسة فحسب، بل يعكس أيضًا انتشار الحجج المتعارضة في البيئات الثقافية/السياسية. بشكل عام، التجاذب هو مصدر للضغط غير المرغوب فيه. لقد تخلى عالم الآثار/الصحفي تمامًا عن مفاهيم الموضوعية والمهنية، واستبدلها بمفاهيم "القيم" والمصلحة الذاتية. إن عالم الآثار الملحق  يشبه الصحفي الملحق، الذي ينتج أخبارًا متحيزة، والأسوأ من ذلك، أنه يصبح جزءًا من آلة الحرب.

ويذهب الفصل الثاني الى تقديم صورة عن عمل ومهمة الصحفي الملحق وكيف تم توظيفه في الغزو الامريكي للعراق 2003  وماهي القيود التي فرضت على الصحفيين الملحقين .ثم قراءة في عناوين الصحف العالمية التي غطت جريمة نهب المتحف الوطني العراقي نيسان 2003 وفقا لمعايير  التظليل الاعلامي التي وضعها مشيل كولون في كتابه "احذروا الاعلام" . وفي الختام عرض لتبرير وزير الدفاع الامريكي دونالد رامسفليد لفوضى ما بعد غزو العراق  وكارثة المتحف .

    ويستقصي الفصل الثالث مفهوم ووقائع عالم الاثار الملحق بقوات الغزو الامريكي  , ثم عرض للمسائل الاثارية التي ناقشها المؤتمر الدولي الثامن للأثار  2008تحت عنوان "قضية عالم الآثار الملحق" , ثم عرض لقائمة المواقع  الممنوعة من القصف وقراءة في مفهوم عسكرة علم الاثار وتمثيلاته العينية عبر اربعة  شهادات لآثارين مع وضد قضية الآثاري الملحق. تبع ذلك خاتمة واربعة ملاحق :الاول يوميات  لأثاري عراقي ايام نهب المتحف الوطني العراقي( 2003) والثاني يوميات  للآثاري عمل مع سلطة التحالف الموقتة. والثالث  من يوميات الصحفيين المستقلين ميكا كارن وماري هلين كارنتون و الملحق الرابع قراءة لكاتب السطور في لوحة غلاف الكتاب (فتاة الوركاء) الموناليزا السومرية , واخيرا مجموعة صور توثيقية.

   الكتاب، دعوة إلى إعادة التفكير في دور الصحفيين وعلماء الآثار في زمن الازمات والصراعات، والحث على تبني سياسات تعزز من استقلاليتهم وتدعم قدرتهم على أداء مهامهم بأمانة وحيادية , لتحقيق الهدف المنشود   :حماية التراث الثقافي الإنساني من خلال تمكين العلماء والصحفيين من العمل بعيدًا عن تأثيرات القوى العسكرية والسياسية، مع ضمان احترام القوانين الدولية التي تحمي المواقع الأثرية والممتلكات الثقافية في أوقات النزاعات .

جاء عنوان الكتاب متداخلا مع عنوان  كتاب "هل يستطيع التابع ان يتكلم!" لغاتري سبيفاك   التي ترى أن التفكير الأكاديمي الغربي يتم إنتاجه من أجل دعم المصالح الاقتصادية الغربية  و أن المعرفة ليست بريئة أبدًا :أنها تعبر عن مصالح منتجيها. فالمعرفة بالنسبة لسبيفاك هي مثل أي سلعة أخرى يتم تصديرها من الغرب إلى العالم الثالث لتحقيق مكاسب مالية وغيرها . تتساءل الكاتبة "هل يستطيع التابع أن يتكلم؟ “ يبدو السؤال كأنه نوع من الاستفهام الاستنكاري، فمن الطبيعي أن يتكلم التابع، فهو كائن بشري يستطيع الكلام، والكتابة، والتعبير، لكن الفكرة التي تريد سبيفاك ان تطرحها هي  هل توفرت السياقات الثقافية الملائمة للتابع لكي يتكلم؟ هل يتمكن من الحديث، وإسماع الآخرين صوته وتمثيل ذاته ؟ فالشعوب المستعمرة سلب منها حق تمثيل نفسها، أي سلبت حق الكلام، والكلام هو الوسيلة الوحيدة لتأسيس معرفة متماسكة عن التابع، ووعيه، ووجوده. بعبارة أخرى فثمة فرق بين الفكرة القائلة إن التابع فرد مندمج في جماعة، والأخرى القائلة إنه كائن جرى تمثيله عبر الخطاب الاستعماري. وترى سبيفاك بأن وعي التابع يتمثل لتأثيرات النخبة، فتلك التأثيرات هي التي تشكله بسبب قوتها وهيمنتها، فيتعذر استعادة صوت التابع بصورته الحقيقية، بل لا حقيقة له، لأنه موجود فقط عبر تمثيل قوة النخبة، وثقافة الاستعمار :” باختصار فهو مشوه، ومنبثق ضمن استراتيجيات خطاب أقوى يستحيل اختزاله." . وحيث ان المهمة الاولى للصحفي وعالم الاثار هي قول الحقيقة, جاء الكتاب ليتساءل  "هل يستطيع عالم الآثار والصحفي الملحق أن يتكلم: يقول الحقيقة؟"!!!

والاستاذ امير دوشي , تولد 1960, كتاب ومترجم , يحمل شهادة عليا في الجرائم ضد الثقافة , من روما, وقد صدر له عدة كتب في الدفاع عن التراث الثقافي منها :بوش في اور, بابل احلام المارينز , الطريق الوعر الى اور, اغتصاب رقيم طين ,احتضان اللهب , ختم فرويد الاسطواني.

 

 


مشاهدات 169
أضيف 2025/01/07 - 4:37 PM
آخر تحديث 2025/01/08 - 9:34 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 429 الشهر 3806 الكلي 10093771
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/8 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير