مأزق الخلافات العالقة حيال النفط والغاز
اكرم سالم
مرة اخرى تتأخر جهوزية جداول الموازنة العامة القادمة للبرلمان العراقي حتى مطلع العام 2025 وعلى وفق تصريحات نواب كورد فانها قد تتأخر اكثر من ذلك وحتى شباط القادم .ومثل حالات الموازنات السابقة فان الخلافات العالقة بشأن بند النفط والغاز الخاص بالاقليم الذي من المقرر ان تتم احالته الى جداول موازنة العام المقبل يطفو على السطح كعقبة خلافية كأداء بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم ،الامر الذي يتطلب حسب سياسة الاقليم بعض التعديلات التي افضت كما في السابق الى تعطيل اقرار الموازنة العامة وبالتالي تعطيل الحراك التنموي الاستثماري والتشغيلي في كل ارجاء العراق وقطاعاته الاقتصادية والخدمية ودوائره ومؤسساته العامة وحتى الخاصة .اللجنة المالية النيابية من جانبها اكدت ان الخلاف النفطي يشكل احد ابرز المشكلات التي تواجه اعداد موازنة العام المقبل 2025،وان عدة لقاءات واجتماعات بين بغداد واربيل قد جرت لتحديد المسار القانوني والدستوري لتجاوزها بغية استئناف تصدير نفط الاقليم بما يضمن تعزيز موارد الدولة اذ تمثل عوائد النفط ما يقرب من 90 بالمئة من ايرادات الموازنة.وإن الخلافات والتوافقات في الوقت ذاته تتمحور حول تشريع قانون النفط والغاز الاتحادي المنصوص عليه دستوريا في المادة 112 اولا من الدستور العراقي التي تنص على ان تقوم الحكومة الاتحادية بادارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة على ان توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع انحاد البلاد..على ان ينظم ذلك بقانون!!فيما نصت المادة 111بأن النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات.من هذا المنطلق الدستوري يتوضح منظور العلاقة ذات الصلة بالنفط والغاز بين الطرفين المعنيين في بغداد وأربيل التي ينبغي الاستجابة من قبل الاقليم لمنطق حل هذه الاشكالية القائمة بينهما بما يتعلق بهذه الثروة “السيادية” الحيوية وملكيتها وإشكالية ادارتها للشعب العراقي كل الشعب العراقي وبلا استثناءات وهو يعني بكل وضوح ضرورة اشراف الحكومة الاتحادية في بغداد على مجريات وعمليات وانتاج وتسويق وتوزيع وتصدير منتجات وادارة الاموال والمستحقات المتعلقة بثروة النفط والغاز وطنيا .ان خسائر العراق من توقف صادرات نفط اقليم كردستان استنادا الى قرار التحكيم -محكمة باريس الخاصة بمثل هذه النزاعات..تقدر بــ 15 مليار دولار . في ضوء ذلك ولحلحلة هذا المأزق المتكرر كل عام ينبغي الرجوع مرة اخرى الى الاتفاقية النفطية (المؤقتة)بين الحكومتين الاتحادية والاقليم لعام 2023 وتصديق مشروع قانون النفط والغاز الاتحادي من قبل البرلمان العراقي.اذ تعد هذه الاتفاقية منطلقا رئيسا لاستئناف تصدير النفط والغاز في الاقليم وهو يمهد الطريق الى اقرار قانون النفط والغاز الاتحادي ،فقط سبق وأن طلب العراق بشكل رسمي من تركيا استئناف تصدير نفط الاقليم الذي توقف في آذار 2023 عبر الانابيب العراقية التركية ،وكان السيد رئيس الوزراء الاستاذ محمد شياع السوداني قد اكد حين توقيعها بأنها تحقق مصلحة الشعب العراقي من خلال زيادة الايرادات النفطية الاتحادية وتقليص العجز المالي بالموازنة العامة.ومن اهم بنودها تعيين ممثل عن الاقليم في شركة تسويق النفط الوطنية سومو مع تشكيل لجنة رباعية تضم ممثلين من وزارتي النفط العراقية والثروات الطبيعية للاقليم مهمتها الاشراف على بيع النفط المستخرج من الاقليم في الاسواق العالمية لحين تشريع قانون النفط والغاز الاتحادي.فضلا عن فتح حساب مصرفي باشراف الحكومة الاتحادية لهذا الغرض،والتفاهم بين الطرفين بشأن الاتفاقيات النفطية التي عقدتها حكومة الاقليم مع شركات النفط العالمية.بكل تأكيد ان نجاح هذا التوجه التوافقي على اساس هذه الاتفاقية المنصفة تشكل ضمانة مهمة بتسهيل حل المشاكل المالية الموروثة بهذا الخصوص منذ اعوام وأن تنفيذ بنودها يعدّ بوابة اولية تؤدي بيسر الى تصويب ومعالجة العلاقة المرتبكة بين العاصمة بغداد والاشقاء الكورد في اربيل ،وهو من شأنه فتح الباب الموصد منذ سنوات على مصراعيه حيال الخلافات العالقة وآلية الحلول التوافقية بين شركاء الوطن الواحد..ويأتي في اطار ذلك افتتاح وتمهيد الطريق نحو اقرار قوانين الموازنات السنوية العامة التي تتعثر وتتعطّل عادة في اروقة ومكاتب البرلمان العراقي بسبب هذه العوامل وسوء التقديرات المؤسفة.