الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
من‭ ‬سير‭ ‬الأصدقاء

بواسطة azzaman

من‭ ‬سير‭ ‬الأصدقاء

علي السوداني

 

وأفتح‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬بواحد‭ ‬شاعر‭ ‬بديع‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬البصرة‭ ‬هو‭ ‬كاظم‭ ‬الحجاج‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬عتيق‭ ‬الذاكرة‭ ‬،‭ ‬إذ‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬معنى‭ ‬لم‭ ‬يسبقه‭ ‬إليه‭ ‬أحد‭ ‬ربما‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬شكى‭ ‬وبكى‭ ‬وقال‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يكلف‭ ‬الله‭ ‬طيناً‭ ‬كثيراً‭ ‬فهو‭ ‬ضئيل‭ ‬الجسد‭ ‬صغير‭ ‬البطن‭ ‬مستقيماً‭ ‬مثل‭ ‬نخلة‭ .‬

أما‭ ‬صاحبي‭ ‬العموني‭ ‬النبيل‭ ‬أحمد‭ ‬طمليه‭ ‬،‭ ‬فلقد‭ ‬تناوح‭ ‬وساح‭ ‬وذهب‭ ‬بعيداً‭ ‬وغطى‭ ‬عائلته‭ ‬الكبرى‭ ‬بدثار‭ ‬من‭ ‬وجع‭ ‬وشكوى‭ ‬وزاد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬محتشد‭ ‬لا‭ ‬يمكث‭ ‬طويلاً‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬،‭ ‬وعند‭ ‬باب‭ ‬الخمسين‭ ‬أو‭ ‬وشلها‭ ‬فإن‭ ‬آل‭ ‬طمليه‭ ‬الكبير‭ ‬،‭ ‬سيلاقون‭ ‬ربهم‭ ‬الجليل‭ ‬الرحيم‭ ‬العظيم‭ ‬،‭ ‬بإمتنان‭ ‬ورضا‭ ‬وهم‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المتطلبين‭ .‬

بذاكرتي‭ ‬يلمع‭ ‬الليلة‭ ‬الشاعر‭ ‬الصعلوك‭ ‬الجميل‭ ‬طالب‭ ‬السوداني‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬أخذته‭ ‬قدماه‭ ‬ودعبلته‭ ‬صوب‭ ‬سوق‭ ‬شعبية‭ ‬رخيصة‭ ‬بواحدة‭ ‬من‭ ‬خواصر‭ ‬عمون‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬لقاؤه‭ ‬الأول‭ ‬عند‭ ‬مفتتح‭ ‬السوق‭ ‬ببسطية‭ ‬مبللة‭ ‬صغيرة‭ ‬نامت‭ ‬فوقها‭ ‬بهدوء‭ ‬ونعاس‭ ‬سمكتان‭ ‬صغيرتان‭ ‬،‭ ‬ففاصل‭ ‬البائع‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬إحداهن‭ ‬،‭ ‬ولسبب‭ ‬مجهول‭ ‬المزاج‭ ‬والنية‭ ‬رفض‭ ‬مالك‭ ‬البسطية‭ ‬بيع‭ ‬طالب‭ ‬سمكة‭ ‬واحدة‭ ‬وأصر‭ ‬على‭ ‬صفقة‭ ‬ثنائية‭ ‬الحراشف‭ ‬صحبة‭ ‬تهبيط‭ ‬كريم‭ . ‬قيل‭ ‬أن‭ ‬طالب‭ ‬أخرج‭ ‬بطانة‭ ‬جيبه‭ ‬وأشهر‭ ‬خردة‭ ‬حديدية‭ ‬من‭ ‬عملة‭ ‬سهلة‭ ‬وأقنع‭ ‬الرجل‭ ‬بشراء‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭ ‬،‭ ‬وزاد‭ ‬في‭ ‬التلقائية‭ ‬والتضحيك‭ ‬والتنكيت‭ ‬والترطيب‭ ‬،‭ ‬أنه‭ ‬بصدد‭ ‬شراء‭ ‬سمكة‭ ‬يا‭ ‬زلمة‭ ‬وليس‭ ‬زوج‭ ‬قنادر‭ ‬لا‭ ‬انفكاك‭ ‬بينهما‭ .‬

وبرأسي‭ ‬الليلة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬حيلها‭ ‬الآن‭ ‬،‭ ‬يلبط‭ ‬ويلوب‭ ‬صاحبي‭ ‬الراوية‭ ‬القصخون‭ ‬جمال‭ ‬القيسي‭ ‬وقد‭ ‬جمعتني‭ ‬به‭ ‬مائدة‭ ‬طيبة‭ ‬ذات‭ ‬لغوة‭ ‬قليلة‭ ‬بحانة‭ ‬الشرق‭ ‬المزروعة‭ ‬بسرة‭ ‬البلد‭ .‬

شربنا‭ ‬على‭ ‬مهل‭ ‬من‭ ‬صفاء‭ ‬حداد‭ ‬الذهبي‭ ‬ثم‭ ‬تسلطنا‭ ‬وتناوحنا‭ ‬مع‭ ‬الأسطورة‭ ‬الأرضية‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬وشيء‭ ‬من‭ ‬العبقري‭ ‬عبد‭ ‬الحليم‭ ‬حافظ‭ ‬،‭ ‬وعندما‭ ‬حانت‭ ‬رنة‭ ‬الكأس‭ ‬الأخيرة‭ ‬سألني‭ ‬مضيفي‭ ‬جمولي‭ ‬عن‭ ‬مقترح‭ ‬صينية‭ ‬باجة‭ ‬وكوارع‭ ‬،‭ ‬فقلت‭ ‬له‭ ‬مزحاً‭ ‬وشهوة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الصحن‭ ‬العجيب‭ ‬ينتظرنا‭ ‬الآن‭ ‬بمطعم‭ ‬الحاتي‭ ‬ببغداد‭ ‬العزيزة‭ ‬المفتقدة‭ . ‬

هبطنا‭ ‬درج‭ ‬الحانة‭ ‬الأحدب‭ ‬وعبأنا‭ ‬جسدينا‭ ‬الثقيلين‭ ‬بسيارته‭ ‬المارسدس‭ ‬المعتقة‭ ‬بقوة‭ ‬سبعين‭ ‬أسداً‭ ‬وعشيرة‭ ‬أحصنة‭ ‬،‭ ‬وكانت‭ ‬وجهة‭ ‬الكاتب‭ ‬المجنون‭ ‬شرقاً‭ ‬صوب‭ ‬بغداد‭ .‬

على‭ ‬مبعدة‭ ‬شمرة‭ ‬عصا‭ ‬من‭ ‬معبر‭ ‬ومنفس‭ ‬طريبيل‭ ‬الرافديني‭ ‬الشهير‭ ‬،‭ ‬طار‭ ‬العرق‭ ‬من‭ ‬الرأس‭ ‬وعاد‭ ‬العقل‭ ‬إلى‭ ‬نصابه‭ ‬واستدار‭ ‬الولد‭ ‬عائداً‭ ‬،‭ ‬وفي‭ ‬الطريق‭ ‬بزغت‭ ‬فكرة‭ ‬الفطور‭ ‬بدمشق‭ ‬،‭ ‬فداس‭ ‬جمال‭ ‬على‭ ‬مداس‭ ‬الوقود‭ ‬منتشياً‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬تم‭ ‬إجهاض‭ ‬الفرحة‭ ‬بسبب‭ ‬شرطي‭ ‬سوري‭ ‬جهيم‭ ‬لم‭ ‬تعجبه‭ ‬خلقتي‭ ‬ولحيتي‭ ‬وابتسامتي‭ ‬الباهتة‭ ‬الباردة‭ ‬البائنة‭ ‬بجواز‭ ‬السفر‭ ‬،‭ ‬فرجعنا‭ ‬إلى‭ ‬عمون‭ ‬الطيبة‭ ‬بكثير‭ ‬خيبة‭ ‬وقليل‭ ‬ضحك‭ ‬،‭ ‬عند‭ ‬وجه‭ ‬صباح‭ ‬رائق‭ ‬ونفحات‭ ‬من‭ ‬دحنون‭ ‬وجوري‭ ‬ونحاسية‭ ‬فول‭ ‬مذهلة‭ .‬


مشاهدات 362
الكاتب علي السوداني
أضيف 2024/05/28 - 6:01 PM
آخر تحديث 2024/06/29 - 3:07 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 352 الشهر 11476 الكلي 9362013
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير