كلام أبيض
لماذا معاوية؟
جليل وادي
في وقت يعاني فيه واقعنا العربي من حالة تشرذم غير مسبوقة تحت عناوين الطائفية والقومية، وتحديات تطول وجوده كما نرى في الابادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، والاعتداءات التي طالت الشعب اللبناني من الكيان الصهيوني، والمخاطر المحتملة التي تؤكدها دلائل كثيرة لدول ما يسمى بالطوق العربي كسوريا ومصر والأردن وامتداداتها للعراق واليمن، في هذا التوقيت غير المناسب تعرض قناة ام بي سي السعودية مسلسل معاوية وهو شخصية خلافية بين المسلمين ليؤجج بذلك ضغائن مذهبية نائمة ويعزز أخرى صاحية في مجتمعنا العربي الذي نريده متماسكا ومتوثبا لمواجهة ما يتعرض له من كوارث راهنة. حرصت كثيرا على مشاهدة الحلقات التي عُرضت من المسلسل وفي ذهني تساؤلان أظنهما مهمين : لماذا يبث هذا المسلسل في هذا التوقيت بالذات، وألم يفكر القائمون عليه بالتأثيرات التي سيخلفها؟.
كنت قلت في بوست نشرته على الفيسبوك مؤخرا : أردنا من حوادث الماضي ان تكون حافزا للمستقبل، فاذا بها تعود بنا الى عصور الجاهلية، وجاء هذا البوست ردا على عرض المسلسل، وتذكيرا بما أكده مفكرو الأمة بدءا من عصر النهضة العربية : من ان المستقبل العربي بحاجة للماضي بوصفه ضرورة لتحفيز الامة نحو مستقبلها، ولكن ماضي أية أمة فيه من المعتم بقدر ما فيه من المشرق، فماضينا ليس ايجابيا بالمطلق، كما انه ليس سلبيا بالعموم، لذا لابد من انتخاب الايجابي منه وتقديمه للأجيال الجديدة عبر وكالات التنشئة الاجتماعية ممثلة بالمؤسستين التعليمية والدينية ووسائل الاعلام وغيرها، واهمال السلبي منه وعدم استحضاره ابدا، لأنه محرك للطائفية وممزق للمجتمعات.
أسأل طلابي في الجامعة بحسب مقتضيات الدرس عن بعض الحوادث او الشخصيات التاريخية، وأجد جهلا كبيرا بهما، ما يعني ان مؤسستنا التعليمية لم تعمل على اكساب الطلاب المعرفة بماضي أمتهم، وقد يكون ذلك بسبب قصور مناهجنا الدراسية او عدم ادراك القائمين عليها بأهمية الماضي، وفي العقدين الأخرين ربما نتيجة اختطاف المواقع الالكترونية لأبنائنا من بين أحضاننا.
وأحيانا أحمد الله على جهل الأبناء بتاريخنا، لخشيتي من التعرض العشوائي لحوادثه بما يسهم بمعرفة تاريخية من شأنها تعميق الانقسامات بما يدمر حاضرهم ويعوق تطلعهم نحو المستقبل، وأحيانا أخرى أتأسف على عدم معرفة الجيل الجديد بالمشرق من ذلك الماضي، وهنا تبرز أهمية انتخاب الحوادث التاريخية وتثقيف النشىء الجديد بها، ولكن على وفق خطط منهجية معدة بعناية.
ولنفترض ان الجمهور العربي وشبابه على وجه الخصوص قد شاهدوا مسلسل معاوية وان كان ذلك بحدود ضيقة بحسب ظني بسبب كثرة الفضائيات وتنوعها ، وادمانهم استخدام المواقع الالكترونية، فما التأثيرات المحتملة لذلك ؟، بصرف النظر عن نوايا القائمين على هذا المسلسل الذي كلفهم (100) مليون دولار ان كانت مقصودة او غير مقصودة، الا انه يتناول أكثر الفترات حساسية في التاريخ الاسلامي والمعروفة بالفتنة الكبرى التي انطلقت شرارتها باستشهاد الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رض)، وبالتالي فانه لا شك سيمس مشاعر الكثير من المسلمين، ولن تتوقف التأثيرات عند هذا الحد، بل ستتمظهر بأشكال مختلفة في الواقع المنهار بالأصل.
اظن ان هذه العشوائية في التعامل مع التاريخ، وايقاظها للنعرات التي تطول جميع الدول العربية ولا أستثني واحدة منها، لأن الغرب يرى في الاسلام عدوا، وليست مكة المكرمة والمدينة المنورة تقع خارج أهدافهم كما هي القدس راهنا، ان هذه العشوائية تؤكد صحة دعاة مقاطعة الماضي بقولهم : ان نهوض الأمم وارتقائها ليس بحاجة الى ماض عريق، فانقسامها حول ماضيها يعرقل مسيرتها، وبمقاطعة الماضي تصوب الأنظار نحو الحاضر والمستقبل، ودللوا على ذلك بمجتمعات عديدة لا ارث لها وأولها المجتمع الأمريكي. واذا كنا قد كابدنا النعرات الطائفية في العراق وسوريا جراء العمل غير المسؤول لبعض مؤسساتنا الدينية ووسائل الاعلام السائبة وغياب الرؤية الحكيمة للطبقة السياسية، وانعكاس تدمير هذين البلدين على الأمن القومي العربي، فلِمَ لا نتوقف ونضع حدا للعدو الطائفي الذي نغذيه بأنفسنا قبل الأعداء؟، فوجودنا مرهون بتضامننا، وانظروا كيف جعلت دعوة ترامب لتهجير أهالي غزة الحكام العرب (يفرون بآذانهم) لا يعرفون ما يفعلون.
jwhj1963@yahoo.com