تنظيم حراس الدين.. لماذا تطارد المسيّرات الأمريكية القيادات
عماد علو الربيعي
المقدمة
منذ عام 2019، يتعرض قيادات وعناصر فرع تنظيم القاعدة في سوريا، أو تنظيم (حراس الدين)، المصنف على قوائم الإرهاب الأميركية، لسلسلة غارات جوية أميركية قوية أفقدته معظم قدراته العسكرية وقياداته البارزة، في الوقت الذي كان تنظيم (حراس الدين)، يخوض مواجهات قتالية ضارية ضد «هيئة تحرير الشام»، أفقدته نفوذه في الساحة السورية، الأمر الذي دفع قيادات (حراس الدين)، الى الإعلان عن حلّ التنظيم، بالتزامن مع التحولات الجذرية التي يشهدها المشهد السوري.
وأوضح قيادة تنظيم حراس الدين، في بيان نشر على قنوات «تيليغرام» التابعة له، أن القرار صدر بـ(توجيه أميري)، من القيادة العامة لتنظيم القاعدة، وذلــــك بعد سنوات من تراجع نفوذه وتقلص قوته في شمال سوريا.
والسؤال المطروح هو عن أسباب تصعيد الاســــــــــتهداف الأمريكي بالطائرات والمسيرات لقيادات تنظيم حراس الدين في سوريا بالتزامن مع المتغيرات في المشهد السوري بعد سيطرة (هيئة تحرير الشام)، والفصائل السورية المسلحة المتحالفة معها على دمشق واسقاط نظام (بشار الأسد).
تنظيم حراس الدين
لم يكن تنظيم (جبهة النصرة)، بمنأى عن الاختلافات والخلافات الفكرية، التي عصفت بالتيارات السلفية الجهادية بعد تفاقم الخلافات بين (أبو بكر البغدادي) زعيم تنظيم داعش، و(أيمن الظواهري)، زعيم تنظيم القاعدة. كما أن زيادة الضغوط العسكرية للمجتمع الدولي ممثلا» بالتحالف الدولي للحرب على الإرهاب. كل ذلك دفعت (أبو محمد الجولاني)، زعيم جبهة النصرة للإعلان في تموز/ يوليو 2016، عن انفصال جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة بشكل كلي، وغيّر اسم الجبهة لتصبح (جبهة فتح الشام). وفي عام 2017 اندمجت الجبهة مع بعض الفصائل السلفية المسلحة وشكلت ما سمي بـ(هيئة تحرير الشام). وكانت هذه التحولات نتيجة خلافات واختلافات فكرية وتنظيمية داخل جبهة النصرة أسفرت في 27 شباط/ فبراير 2018، عن انشقاق مجموعة من كوادرها أبقت على بيعتها وولائها لتنظيم القاعدة وزعيمه (الدكتور أيمن الظواهري). وقد أطلقت هذه الجماعة على نفسها تسمية (حراس الدين)، تعبيرا» عن ولائها لأيديولوجية تنظيم القاعدة.
وسرعان ما شعرت الولايات المتحدة الامريكية والتحالف الدولي للحرب على الإرهاب، بخطورة تنظيم (حراس الدين)، لكونه ضم عناصر قتالية متمرسة من قدامى المحاربين الذين شاركوا في الحروب في أفغانستان والعراق، وممن لهم اجتهادات وآراء فقهية تختلف عن قيادات وشرعيي جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، كل ذلك ساهم بوضوح بتعزيز روابط تنظيم حراس الدين مع قيادة القاعدة المركزية. وسرعان ما انظم الى حراس الدين اعداد من السلفيين الجهاديين ومنهم من كان ضمن تنظيم داعش من إدلب ودير الزور، كما انظم الى حراس الدين عناصر من جيش الملاحم، وجيش الساحل، جيش البادية، سرايا الساحل، سرية كابل، وجند الشريعة.
وفي 29 أبريل 2018 أعلن التنظيم عن تحالفه مع فصيل “أنصار التوحيد” (جند الأقصى سابقًا) تحت مسمى حلف نصرة الإسلام.. ومن الجدير بالذكر أن (أبو محمد المقدسي)، المنظر الجهادي البارز كان قد لعب دورا أساسيا في تأمين الغطاء الشرعي والأيديولوجي لتنظيم حراس الدين، بدا ذلك واضحا أكثر خلال المعارك التي نشبت بين التنظيم وبين هيئة تحرير الشام؛ حيث نشط المقدسي بشكل مكثف وغير مسبوق في دعم (حراس الدين)، من خلال كتابة المنشورات وإصدار الفتاوى والإجابة على الأسئلة التي ترده من عناصر التنظيم بخصوص أحكام المشاركة في المعارك، وإخلاء نقاط الرباط من عدمه، وحكم قيادة الهيئة وغيرها، وتوصيف القتال الحاصل هل هو قتال فتنة أم قتال بغي. لقد ظهر أن المقدسي يحظى بالثقة داخل تنظيم حراس الدين ولعب دورا حيويا لم يضطلع به غيره على الأقل بالحماس والكثافة والوضوح التي لدى المقدسي.
استراتيجية التنظيم وساحة عملياته
نشط تنظيم حرّاس الدين في محافظة إدلب السورية وريفها الغربي، وبعض المناطق المحيطة بحماة واللاذقية، ويعتقد أن التنظيم كان يتوافر على 2000 إلى 2500 مقاتل، تديرهم غرفة عمليات يرمز لها بأسم (وحرض المؤمنين) وهي الغرفة التي شكلها التنظيم بمعية فصائل أخرى. وابرز قادة تنظيم حراس الدين في سوريا، كل من أبو همام السوري، وأبي القسام الأردني، وسامي العريدي، وخلاد المهندس. وقد نفذ التنظيم عددا من عمليات الإغارة الناجحة على مواقع النظام السوري السابق في محيط قرية جورين، وريف حماة الشمالي، وريف اللاذقية، وريف حماة الشرقي وغيرها. كما دخل بمعارك ضد هيئة تحرير الشام بقيادة (أبو محمد الجولاني). الا أن نشاط حراس الدين تراجع بعد سلسلة من الضربات الامريكية لمواقع التنظيم، وهو ما أضعف قوته، فضلاً عن العوامل المرتبطة بالقيادة المركزية للتنظيم في أفغانستان من غياب زعيمها بعد الإعلان عن مقتل «الظواهري» في آب (أغسطس) من عام 2022. ومن الجدير بالذكر أن التنظيم بقي يُسيطر على مناطق شاسعة في إدلب، للفترة بين عامي 2019 و2020، ودخل في مواجهات متكررة مع «هيئة تحرير الشام» التنظيم الذي انشق عنه (حراس الدين) وتصاعدت حدة الاشتباكات بين الطرفين، خصوصاً بعد تشكيل غرفة عمليات «فاثبتوا» التي قادها «حراس الدين». وضمت عدة فصائل متحالفة مع حراس الدين ومن أهم هذه الفصائل الجهادية كل من جماعة أنصار الإسلام، ولواء المقاتلين الأنصار، وتنسيقية الجهاد، وجبهة أنصار الدين.
يبدو أن المعلومات الاستخبارية التي توافرت لدى قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الامريكية، قد اشارت الى الطبيعة العقائدية المتشددة لقيادات وعناصر تنظيم حراس الدين، وهو الامر الذي دفع الولايات المتحدة الامريكية الى، تصنيف تنظيم حراس الدين «كيانا إرهابيا عالميا» في سبتمبر/أيلول 2019، بينما أدرجه الاتحاد الأوروبي في قائمته للمنظمات الإرهابية في مايو/أيار 2022، مما أتاح الفرصة لأبو محمد الجولاني قائد (هيئة تحرير الشام)، لإظهار نفسه معارضا» بل ومقاتلا» للسلفية الجهادية التكفيرية المتطرفة التي كان يمثلها فرع تنظيم القاعدة في سوريا تنظيم حراس الدين. فدخل الجولاني في صراع مع حراس الدين بلغ ذروته في مايو (أيار) 2020، عقب قيام «تحرير الشام» باعتقال أبو مالك التلي، الزعيم السابق لـ«جبهة النصرة» في القلمون، الذي كان قد انشق عن «تحرير الشام» وأصبح مقرباً من «حراس الدين»، إضافة إلى اعتقال القيادي أبو صلاح الأوزبكي. لكن هيئة تحرير الشام سرعان ما ردت باستخدام القوة العسكرية، ما أدى إلى تفكيك غرفة عمليات «فاثبتوا» بالكامل، وبذلك توجت هيئة تحرير الشام انتصاراتها السريعة بقرار صادر عن غرفة عملياتها التي اطلقت عليها “الفتح المبين” ومنعت فيه فتح مقرات جديدة أو استحداث أي جسم ذي طابع عسكري أو إداري في أدلب وبهذا الإجراء، أنهت «تحرير الشام» فعلياً وجود تنظيم «حراس الدين» ككيان عسكري مستقل. وفي ذات الوقت أكدت القيادة المركزية الأميركية «سنتكوم»، في تقييماتها، أن «حراس الدين» يمثل امتداداً لتنظيم القاعدة في سوريا، ويشاركه رؤيته في استهداف المصالح الأميركية والغربية على المستوى العالمي. وأعلنت الولايات المتحدة مرارا عن استهداف قياديين في تنظيم حراس الدين، حيث نفذت ضربات جوية بالطائرات والمسيرات من طراز «إم كيو 9» (MQ9)، أسفرت عن مقتل عشرات من أعضاء التنظيم، بينهم قياديون بارزون. من بينهم محمد صلاح، وأبو عبد الرحمن المكي، الذي شغل منصب «قائد المجلس الشرعي في تنظيم حراس الدين. وفي سبتمبر/أيلول 2023، أعلن الجيش الأميركي عن تنفيذ ضربتين في سوريا، مما أسفر عن مقتل 37 شخصا، بينهم أعضاء في تنظيم «الدولة الإسلامية» وحراس الدين.
ضربة جوية
وفي بيان صدر يوم 15 فبراير/ شباط 2025، قالت القيادة المركزية (سنتكوم)، إنها نفذت ضربة جوية بطائرة مسيرة من طراز «إم كيو 9» (MQ9)، استهدفت مسؤولا رفيعا في تمويل وتنسيق العمليات اللوجيستية لتنظيم حراس الدين. وقال الجنرال مايكل إريك كوريلا، قائد القيادة الوسطى الأميركية «ستواصل القيادة المركزية الأميركية مطاردة الإرهابيين وقتلهم أو القبض عليهم «، مؤكدا» أن واشنطن كثفت عملياتها العسكرية في المنطقة منذ سقوط نظام بشار الأسد، في الوقت ذاته تشير الى أن عمليات المطاردة لقيادات وعناصر (حراس الدين)، التي تشنها الطائرات والمسيرات الامريكية، الى أن حراس الدين ما زال يمثل قوة حتى ولو كانت محدودة، على الرغم من ضعف تنظيم القاعدة ومؤشرات أفوله، التي قد تجعل من إمكانية حفاظ تنظيم حراس الدين على هيكله التنظيمي صعبة جدا» ان لم تكن مستحيلة خصوصا» بعد المتغيرات الراهنة على الساحة السورية..
لواء ركن متقاعد