المفاوضات الأمريكية الإيرانية.. إتفاق ممكن أم مواجهة وشيكة؟
نبراس المعموري
تتطلب قراءة ملف المفاوضات الأمريكية الإيرانية فهمًا معمقًا للسياق الجيوسياسي والزمني الذي تتحرك فيه هذه المفاوضات ، مع الأخذ بنظر الاعتبار المصالح الإقليمية والدولية، وخلفية الصراع المستمر بين طهران وواشنطن، المرتبط بالأهداف والمصالح والأولويات.
وإذا ما استعرضنا المفاوضات السابقة التي جرت في مسقط بين طرفي النزاع، خصوصًا خلال الفترة ما بين 2012 و2013، سواء تلك المعلنة أو غير المعلنة ، فإنها مهدت لاحقًا للتوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني (JCPOA) الموقع عام 2015. والذي تحقق بعد تصاعد العقوبات الدولية على إيران بسبب برنامجها النووي، وتزايد القلق الأمريكي _الإسرائيلي–الخليجي من اقتراب إيران من عتبة امتلاك السلاح النووي. وفرصة صعود الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي تبنى خطاباً أكثر اعتدالًا وانفتاحًا تجاه الغرب.
في هذا السياق لعبت سلطنة عمان دور الوسيط المحايد والموثوق، نظرًا لعلاقاتها الإيجابية والمتوازنة مع كل من طهران وواشنطن، ما جعل منها منصة مثالية لهذا النوع من المفاوضات الحساسة. وقد التقت أهداف الطرفين المتمثلة بأن إيران سعت لرفع العقوبات الاقتصادية، والاعتراف بها كقوة إقليمية، وضمان حقها في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية. اما الولايات المتحدة فكانت تهدف إلى كبح الطموح النووي الإيراني، وتأمين أمن إسرائيل وحلفائها الخليجيين، وتجنب خيار المواجهة العسكرية المكلف وغير المضمون.
وعلى الرغم أن مفاوضات مسقط ساهمت بشكل كبير في إبرام اتفاق 2015، والذي شكل نقطة تحول في ميزان القوى الإقليمي، فإن انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق في 2018، وما تلا ذلك من تصاعد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، جعل العودة إلى الاتفاق أو محاولة فتح باب التفاوض أكثر تعقيدًا، رغم محاولات إدارة الرئيس الأمريكي السابق بايدن حينها. لكن وبعد عودة إدارة دونالد ترامب للواجهة من جديد وفوزه بانتخابات الرئاسة وما يتميز به من هيمنة سياسية وخطابية، أُعيد طرح مسقط مجددًا كمنصة تفاوضية، ولكن ضمن أجواء وشروط جديدة .
مفاوضات مسقط 2025
عقد أول اجتماع ضمن مفاوضات مسقط بين المسؤولون الأميركيون والإيرانيون يوم 12 أبريل/نيسان، في عُمان برئاسة مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ، واتفقا على جولة أخرى من المحادثات. وتمثل المفاوضات لحظة محورية في مسار الصراع الطويل بين البلدين. فهي مفاوضات غير مباشرة، تتم وسط تصعيد محسوب، ومبادرات دبلوماسية حذرة، حيث تتشابك الملفات النووية بالتحولات الإقليمية، ويتداخل الضغط بالعقوبات مع إشارات الانفتاح بالحوار المشروط.
ان التصريحات المتبادلة بين الطرفين تعكس مشهدًا معقدا، في ظل رسائل متضاربة علنية وسرية. حيث حددت الولايات المتحدة ثلاثة أهداف رئيسية للمفاوضات : البرنامج النووي الإيراني. ووقف برنامج الصواريخ والطائرات المسيرة، خاصة بعد استخدام إيران لهذه الأسلحة مرتين في هجمات عام 2024 ضد إسرائيل. وفك الارتباط الإيراني مع حلفائها في المنطقة، خصوصًا في اليمن، العراق، ولبنان.
في المقابل، رفعت طهران من سقف مطالبها، مشددة على ضرورة رفع العقوبات عن الاقتصاد الإيراني والصادرات النفطية، معتبرة أن انسحاب واشنطن الأحادي من اتفاق 2015 يلزمها بالعودة دون شروط. كما ترفض طهران أي نقاش حول تفكيك برنامجها النووي السلمي أو وقف إنتاجها من الصواريخ والطائرات المسيرة، وتعتبر علاقتها بحلفائها الإقليميين أحد أهم المكاسب التي يجب عدم التفريط بها .
ان المكاسب التي يمكن ان تتحقق في حال نجاح هذه المفاوضات، ستكون مشتركة. بالنسبة لإيران، فإن رفع العقوبات سيسمح بانتعاش اقتصادي سريع، وفتح الباب أمام تدفقات استثمارية، ويمنح النظام الإيراني فرصة لترسيخ الاستقرار الداخلي، وتقليص التدخلات الخارجية في شؤونه. أما الولايات المتحدة، فستحقق مكاسب استراتيجية كبرى، أبرزها تأمين الممرات المائية الحيوية مثل مضيق هرمز وباب المندب، وتعزيز شراكاتها الاقتصادية والعسكرية مع دول الخليج. غير أن المكسب الأكبر سيكون في تحييد إيران جزئيًا ضمن صراع واشنطن مع الصين، مما يفسح المجال أوسع لأمريكا على المنافسة الجيوسياسية الكبرى في آسيا.
أما في حال فشل المفاوضات ، فإن احتمالية الانزلاق نحو مواجهة عسكرية تزداد بشكل كبير، سواء بين إيران وإسرائيل، أو بينها وبين الولايات المتحدة. مثل هذا التصعيد ستكون له انعكاسات مدمّرة على المنطقة، لا سيما إذا وقعت المعارك على أراضٍ عربية أو قرب الممرات البحرية التي تعبرها تجارة الطاقة العالمية.
ختامًا… هـــــــــــناك ثــــــــتلاث سيناريوهات متوقعة لمصير المفاوضات :
1. اتفاق مرحلي مؤقت
توقيع اتفاق
يقوم على تجميد بعض الأنشطة النووية الإيرانية مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، دون توقيع اتفاق شامل. هذا السيناريو يبدو الأقرب للواقع، خاصة بعد تصريحات مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط لوسائل الإعلام بأن إدارة ترامب ستركز على تقييد قدرة إيران الصاروخية وتخصيب اليورانيوم بدلاً من تفكيك برنامجها النووي بالكامل
2. السيناريو الليبي
يتمثل في تفكيك كامل للبنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني، وإغلاق خطوط إنتاج الصواريخ والطائرات المسيرة. لكنه يواجه معوقات كبيرة، ويبدو تنفيذه خلال فترة قصيرة (شهرين مثلًا) أمرًا غير واقعي.
3. تصعيد عسكري ميداني
وهو أخطر السيناريوهات، ويفترض فــــــــــــشل المفاوضات تمامًا، مما قد يدفع نحو صدام عسكري مباشر، خاصة في ظل التوترات الحالية والحشود العسكرية الأمريكية المتزايدة في المنطقة.