الرد السوري على الشروط الأمريكية : تحركات عملية و مساع تفاوضية نحو تخفيف العقوبات
عبدالقادر حداد
في خطوة لافتة تحمل دلالات سياسية عميقة، بعثت الحكومة السورية برد مكتوب مفصّل على الشروط الأمريكية المرتبطة برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق . الرد الذي جاء في أربع صفحات، تضمن رسائل واضحة مباشرة و أخرى مدروسة بعناية تهدف إلى إظهار حسن النية مع الحفاظ على مساحة للمناورة الاستراتيجية بما يخدم المصالح السورية الداخلية و الخارجية . يشير الرد السوري إلى أن دمشق نفذت غالبية الشروط المطروحة من قبل واشنطن، بينما أحالت بعض البنود الأخرى إلى “تفاهمات متبادلة” تتطلب حواراً مباشراً واتفاقات ثنائية، وهو ما يعكس رغبة الدولة السورية في انتزاع مكاسب دبلوماسية متبادلة بدلاً من تنفيذ الشروط بشكل أحادي . من ابرز النقاط التي أولى لها الرد السوري أهمية خاصة قضية الصحفي الأميركي المفقود " اوستن تايس " فقد تعهدت دمشق بإنشاء “مكتب ارتباط” داخل وزارة الخارجية السورية، مخصص للتعامل مع هذا الملف، في إشارة إلى استعداد سياسي للتعاون مع واشنطن ضمن أطر رسمية مقننة ، ويعتبر هذا التطور مؤشراً على جدية دمشق في محاولة تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، خصوصاً أن قضية تايس تحظى بحساسية كبيرة داخل الإدارة الأميركية . على صعيد ملف الأسلحة الكيميائية، تناول الرد السوري و بالتفصيل الجهود المبذولة لمعالجة مخزونات الأسلحة الكيميائية”، مشيرا إلى تعاونها مع هيئات الرقابة الدولية، خصوصاً منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ، هذا الطرح قد يفتح باباً أمام تقارير تفتيش جديدة قد تدعم موقف دمشق في المنتديات الدولية . وفي خطوة داخلية مهمة، أفاد الرد أن نائب الرئيس السوري السابق " فاروق الشرع " قد شكل لجنة خاصة لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية في سوريا ، كما أكد بأن الدولة لن تسمح بمواصلة عمل الفصائل المسلحة الخارجة عن السيطرة، وهو ما جاء متزامناً مع قيام السلطات السورية باعتقال اثنين من مسؤولي حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، مما يعطي مؤشراً عملياً على بدء تفعيل هذا الالتزام . أما بالنسبة لملف المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا إلى جانب الحكومة السورية الجديدة خلال سنوات الحرب، فقد أشار الرد إلى تعليق منح الرتب العسكرية لهؤلاء، دون أن يوضح ما إذا كانت تلك الرتب قد أُلغيت نهائيًا مشيرا الى أن هذا الملف نوقش سابقاً مع المبعوث الأميركي السابق " دانيال روبنشتاين " مشددا على ضرورة عقد جلسات تشاورية أوسع لمواصلة الحوار حوله ، نظراً إلى تقدير الحكومة السورية الجديدة للدور الذي لعبه هؤلاء المقاتلون في حماية النظام الجديد خلال لحظات حرجة . فيما يتعلق بمسألة تنفيذ ضربات ضد الإرهاب داخل الأراضي السورية، شدد الرد على أن هذا الأمر يتطلب تفاهمات متبادلة، بما يحترم السيادة السورية ويتماشى مع القانون الدولي ، هذا الموقف يعكس حرص دمشق على التعاون لمكافحة الإرهاب ضمن أطر قانونية متفق عليها تراعي احترام السيادة الوطنية وعدم المساس بها . و حول المصالح الأجنبية داخل الأراضي السورية ، اكد الرد السوري أن الحكومة السورية لن تسمح بتهديد المصالح الأمريكية و الغربية داخل سوريا، مع التزامها بوضع إجراءات قانونية مناسبة للحفاظ على الأمن والاستقرار ، وقد جاء هذا التعهد في إطار حرص دمشق على أن تكون جزءاً من جهود تعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي . كشف الرد أيضاً عن وجود قنوات اتصال مباشرة بين السلطات السورية وممثلين أمريكيين في العاصمة الأردنية عمان، تركز على تنسيق الجهود في مكافحة تنظيم داعش ، وقد أعربت دمشق عن استعدادها لتوسيع هذا التعاون بما يحقق أهداف مكافحة الإرهاب بشكل فعال ومنظم .