دور الغاز الحيوي في تحوّل العراق نحو نظام طاقة صفر
بثينة علي عبد التميمي
في ظل ما يشهده العالم من تحديات مناخية وأقتصادية متزايدة، أصبح الأنتقال إلى مصادر الطاقة المستدامة أمراً حتمياً وليس مجرد خيار. وبالتالي، يُعد العراق، بوصفه من كبار منتجي النفط، أمام مسؤولية ملحّة لتنويع مصادر الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية، وذلك تماشياً مع الألتزامات الدولية ومتطلبات التنمية المستدامة. ومن هذا المنطلق، يبرز الغاز الحيوي كأحد البدائل الاستراتيجية التي تسهم في تحقيق نظام طاقة منخفض الكربون.
وعلى صعيد التعريف، يُعد الغاز الحيوي وقوداً متجدداً يتم إنتاجه من خلال التحلل اللاهوائي للمواد العضوية، بما في ذلك المخلفات الزراعية، وروث الحيوانات، والنفايات الغذائية، ومياه الصرف الصحي. ويتكون بشكل رئيس من غازي الميثان وثاني أكسيد الكربون. وبعد المعالجة، يمكن تحويله إلى" بايوميثان" الذي يمكن أستخدامه في شبكات الغاز أو كوقود للمركبات.
ومن الجدير بالذكر أن العراق يمتلك إمكانيات كبيرة لإنتاج الغاز الحيوي، إذ تنتج الزراعة والثروة الحيوانية كميات هائلة من المخلفات العضوية سنوياً. كما أن المدن العراقية تفرز كميات كبيرة من النفايات الصلبة والمخلفات الغذائية التي يمكن تحويلها إلى طاقة. ومع ذلك، فإن هذه الإمكانيات ما زالت غير مستغلة بالشكل الأمثل بسبب غياب التخطيط الفاعل في هذا المجال.
ومن الناحية البيئية والأقتصادية، يوفر الغاز الحيوي جملة من الفوائد. فمن جهة، يساعد في إنتاج طاقة محلية تسهم في تقليل الأعتماد على الوقود الأحفوري، ومن جهة أخرى، يسهم في الحد من أنبعاث غازات الدفيئة، لا سيما غاز الميثان الذي يتفوق على ثاني أكسيد الكربون في تأثيره الحراري. علاوة على ذلك، يؤدي أستخدام نواتج التحلل في إنتاج سماد عضوي غني بالعناصر المغذية إلى دعم الزراعة وتقليل الأعتماد على الأسمدة الكيميائية المستوردة.
وعند النظر إلى التجارب العالمية، يتضح أن دمج الغاز الحيوي ضمن مزيج الطاقة الوطني يُعد خطوة محورية لتحقيق الحياد الكربوني. على سبيل المثال، أستفادت دول مثل المانيا والسويد من إدماج هذا المصدر في شبكات الطاقة، مما ساهم في تقليل انبعاثاتها وتحقيق نمو أقتصادي مستدام. وبالتالي، يمكن للعراق أن يستلهم من هذه النماذج الناجحة ما يدعم تحوله الطاقي ويعزز من أمنه البيئي والاقتصادي.
ورغم تلك الإمكانات والفرص، لا يخلو هذا القطاع من التحديات، أبرزها ضعف البنية التحتية، وغياب الحوافز التشريعية، وقلة الوعي المجتمعي. ومن أجل تجاوز هذه العقبات، من الضروري إصدار تشريعات محفزة، تشمل تسهيلات ضريبية ودعماً مالياً، إلى جانب تشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص. كذلك، يُعد الأستثمار في بناء القدرات الوطنية من خلال التدريب والبحث العلمي خطوة أساسية، فضلاً عن إطلاق حملات توعية لتشجيع فرز النفايات وتحويلها إلى طاقة.
وفي ضوء ما سبق، يمكن القول إن الغاز الحيوي يمثل فرصة حقيقية للعراق لإعادة رسم ملامح نظامه الطاقي نحو مزيد من الاستدامة. فهو لا يُعد فقط مصدراً نظيفاً للطاقة، بل يشكل استثماراً في الأمن الاقتصادي، والسيادة الطاقية، والصحة العامة. لذا، فإن تبني سياسات جريئة من شأنه تحويل هذه الفرصة إلى واقع ملموس يخدم الأجيال الحالية والمستقبلية على حد سواء.
مدرس دكتور- قسم هندسة العمليات الكيمياوية
كلية الهندسة الكيمياوية - الجامعة التكنولوجية