لمن تقرع الأجراس؟
إرفعوا قبعاتكم لوليد حبوش
هاشم حسن التميمي
بعد سنوات من القطيعة من منابعة اغلب برامج الاذاعة والتلفاز قادتني الصدفة مؤخرا لمحتوى جذاب وفنان مبدع وعاشق لفنه فحمدت الله ان اسمعه واراه قبل ان اموت وانا حزين بل ناقم على ما ال اليه الاعلام من مستوى هابط وتناحر مريب وترويج للتفاهة والسخافة بدون اخلاق او رسالة.
نعم تفحصت بدقة بعين الناقد الخبير والاكاديمي البصير والاعلامي المحترف ما يقدمه الفنان الكبير (نعم كبير) وليد حبوش من برامج اذاعية وتلفزيونية شاملة وممتعة وتقدم بحرفية عالية وبروحية العاشق لعمله فهو يعرف كيف يختار مواضعيه الهادفة وضيوفه المميزين ويحاورهم بذكاء لاظهار قيم ومواقف وليس من اجل الاثارة والابتزاز. عرفت حبوش منذ سنوات طويلة وهو يتلمس طريقه في الغناء والموسيقى ثم يتفرغ لعالم الاطفال يضحك ويمرح معهم بكل صدق وبراءة في برامجهم ومهرجاناتهم في الزمن الجميل للثقافة والاعلام حيث التالق للمبدع الحقيقي بدون واسطه او تمويل سياسي لان راسمال الفنان ورصيده الحقيقي كان وسيبقى جمهوره الواعي وكل مهذب راق يبحث عن فن اصيل ويميز مابين الثرثرة والرسالة والخطاب المهذب الخال من قلة الادب ومحاولة جذب الانتباه باستمالة القلب والروح بكلمات طيبة وانغام رقيقة عذبة واشارات وتعابير وجه وحركات يدين وايماءات جسد كلها تنسجم لتشكل رسالة صادقة وحقيقية وجميلة تحرك القلوب والعقول ولو للحظات او دقائق… وما اصعب ذلك في الفن الملتزم في اطار ومعايير الاعلام الرصين وما اندره اليوم في زمن التفاهة الاعلامية التي يبحث اصحابها اليوم عن (الطشة). وجني الدفاتر والشقق الفاخرة والروز رايز والجكسارات والتاهوات وغيرها من سيارات الرفاهية المصطنعة التي لايعرف اسماء ماركاتها او القدرة على اقتنائها الشرفاء من الاعلاميين والاعلاميات المحترمات وتركوا هذا السباق لساسة المحاصصة وللعاهرات والبلوكرات والفانشيستات والمتاجرات بالارداف والمشاجرات غير المهذبة واستثني قلة قليلة لاتفتعل الطشات وتخطط في برامجها وحواراتها لنصب الكمائن والمطبات وافتعال معارك لحصد الدفاتر بطلب من اصحاب الاجندات والليال الحمر والتسابق لتقديم كل ما يثير الغرائز ويخرج عن المالوف واشغال الراي العام بتفاهات وحماقات ومساجلات ويتحول مقطع الفديو او البرنامج لسيرك ومنتدى ليلي اباحي له نجومه وجمهوره ويحاول ان يفسد اخر ماتبقى من قيم انسانية واخلاق واعراف اجتماعية، حين يقتحم بيوتنا او عقول اولادنا وبناتنا من خلال سحر وادمان الانترنيت ومواقعه المغرية واردناه نعمة فحولة البعض لنقمة.
تشعر مع برامج وليد حبوش واخرين امثاله - سنعود اليهم في مقالات لاحقة - بالامان على سلامة ذوقك واخلاق ابنائك وقيم عائلتك وامن مجتمعك ولا تتردد ان تفتح الابواب وحتى النوافذ لهذه الافكار النبيلة ويكتشف الجيل الجديد بدهشة كنوز فكرنا وثقافتنا وفننا الاصيل فيقتنص لنا حبوش المعلومات الصحيحة الدقيقة و الصور المعبرة من قصص لاغنيات منسية وحوادث غنية بالعبرة الانسانية والوطنية ونلتقي بشخصيات مهمشة في المجالات كافة فيسلط الضوء على اغنية لفنانة عربية هي فائزة احمد ونكتشف ان ملحنها العراقي المبدع رضا علي وذاع صيتها في الوطن العربي على الرغم من هيمنة النجوم الكبار انذاك.. وكذلك فعلها سالم حسين وناظم الغزالي وكاظم الساهر وفي مجالات الفكر والادب والفن التشكيلي كانت لنا نجوم وقامات وحكايات ومواقف استخرجها حبوش من تحت ركام الاهمال مثل بائع الانتيكات يعرف قيمة كل الاشياء ويعرف كيف يضفي عليها هو ومن معه لمسات الفن والاعداد العلمي المعتمد على المعلومات ذات القيمة ودقتها وكيفية صياغتها واعادة تسويقها واستمالة مشاعرنا للاهتمام بها وتجنب النسيان قبل ان تضيع هويتنا ويغمرنا الضحيج وفوضى ومتاهات الاتصال الذي اصبح متاحا للعاقل وللمجنون لصاحب القضية والرسالة والباحث عن الشهرة حتى لو كان ثمنها تدمير امة بكاملها والتخلي عن كل معاني الشرف والوطنية.
حبوش لايقتصر تركيزه على الفن والثقافة بل يمتد لانعاش الذاكرة حتى بالسياسة بكل نقاء وتجرد فحين يتحدث عن تاريخ مدينة الصويرة ويبحث في اصل تسميتها يتوقف عند شخصية ابنها البار الزعيم عبد الكريم قاسم ويذكر كيف تبرع بميراثه من عقارات العائلة المكونة من اربعة بيوت على ضفاف دجلة ويوصي بل اشرف بنفسه على تحويلها لثانوية للبنات. تحيطها حديقة جميلة حدث ذلك لعدم وجود ثانوية للبنات وافتتحت فعلا عام 1961 ان مجرد سرد الحكاية تجعلنا نقارن بين اخلاق الزعيم وشخصيات من العهد الملكي وحتى الجمهوري كيف كانوا يخدمون شعبهم ويفكرون بادق التفاصيل ولا يتسابقون على الامتيازات ونهب المال العام واختلاس اصول الدولة شتان مابين مسؤول مخلص ولص جبان.
ساقف اماموليد حبوش وفريق عمله ومن سار على نهجهم المهني والاعلامي لامد يدي لتحيتهم واقبل جبينهم واخلع قبعتي واحييهم على الطريقة الانكليزية او اطبق الكفين وانحني على الطريقة اليابانية وهذه التحية لهم ولمن فسح لهم المجال وشجعهم. ومن خلالهم اشكر الجمهور الذي يتابعهم بشغف فهو يميز بذوقه الرفيع مابين الجواهر الثمينة التي تزين صدور الجميلات وبين الحجر الذي يرمي فيه الشيطان الذي تناسل في عصرنا وتحول لشياطين رقمية لتشويه الهوية ومسخ الانسان.
اكرر التحايا لكل برنامج ومحتوى اعلامي او اتصالي الذي يعبر عن ارتقاء وتنوع في الثقافة وترفع عن التفاهة ومغرياتها ورموزها الممتدة من قاع المجتمع واروقة الحكومة حتى قبة البرلمان.