فاتح عبد السلام
يمكن النظر الى الموقف الأمريكي من دعم أوكرانيا في حربها التاريخية مع روسيا، على انه مثال يستحق ان نعتمده في قياس الوضع العراقي وعلاقته مع الامريكان. هناك فروق كبيرة جدا بين أوكرانيا والعراق، فأوكرانيا تمترست خلفها أوربا والغرب جميعا قبل مجيء الرئيس ترامب من اجل تلقين روسيا درسا وجعلها تدفع ثمناً غالياً ولكي تحسب لحدودها مع أوربا وحلف الاطلسي ألف حساب ، وكانت أوكرانيا عمليا، بغض النظر عن قضيتها الوطنية الذاتية، مصدا كبيرا للغرب ضد روسيا التي يريد الرئيس بوتين استعادة بعض أمجادها « السوفييتية». ومع ذلك غضب الرئيس ترامب من الرئيس الأوكراني زيلينسكي الذي أراد الجدال في الحق الوطني لبلاده مطالبا بتجريم بوتين، واتهمه ترامب بانه ناكر للجميل، وانه لا يملك ورقة مساومة واحدة وانه سيخسر الدعم الأمريكي اذا لم يسر كما تريد واشنطن لكي ينجو ببلده وتتوقف الحرب.
العراق الجديد، وهذا توصيف لتاريخ قريب لا عواطف فيه ولا وجهات نظر، هو صنيعة أمريكية بامتياز لا جدال فيها منذ مؤتمر لندن للمعارضة العراقية بقيادة زلماي خليل زاد في فندق هيلتون بلندن في نهاية 2002، لكن نتائج المسار السياسي للعراق بعد ذلك كشفت عن تشوهات جينية للوليد الجديد، كما لم تكن النتائج تصب في صالح الولايات المتحدة لاسيما في الملفات الإقليمية التي كان العراق بحاكميه يرى انّ مصالحه تقتضي التعاون مع ايران العدو الأساس للولايات المتحدة ، من دون الوقوف على درجة معيارية متوازنة من العلاقات التي لا تمس الخطوط الامريكية الحمراء. وزادوا على ذلك في العراق عدة سنوات من القصف شبة المنتظم من دوائر وجهات قريبة من المحيط السياسي الحاكم على مصالح أمريكية في تجمعات لقوات التحالف او السفارة الامريكية ذاتها وصولا الى اقتحام جزء منها في العام 2021.
كيف يمكن للحليف الأمريكي ان يثق بالعراق؟ واذا وثق بالالتزامات الرسمية المعلنة ما الذي يجعله مندفعاً على تقديم الدعم الاستثنائي للعراق اذا لم يكن النظام السياسي تابعا ومتطابقا في الرؤية والسلوك مع مواقف واشنطن بوصفها هي التي شرعت في 2003 باجراء أول تغيير في خارطة الشرق الأوسط السياسية وليس الجغرافية، من خلال اسقاط النظام العراقي السابق وتأسيس نظام جديد بالكامل في بغداد.
عدم وجود رؤية سياسية واضحة و غياب خارطة عمل لمَن يحكم في بغداد في السنوات الأخيرة الى درجة ان رئيس حكومة اسبق يهدد بجلب الصين بديلا للولايات المتحدة في العراق، كل ذلك يجعل المراقب ينظر الى لغة ترامب مع زيلينسكي، وكيف ستكون مع العراق لاحقاً؟
بل السؤال الأهم ،هو مَن المرشح ليؤدي دور «زيلينسكي العراق» في مواجهة ترامب؟