الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
قراءة نقدية لمجموعة طبشاروم لطالب عمران المعموري


إغواءات السرد في القصة القصيرة جدا

قراءة نقدية لمجموعة طبشاروم لطالب عمران المعموري

عبد الحسين العبيدي

اضحى حضور القصة القصيرة جدا في المشهد الثقافي اليومي جليا , ولم نعد نسمع الا ما ندر من اعتراضات , بل صار نشر النصوص والمجاميع القصصية كثيرا جدا منذ ظهور هذا النوع السردي (على يد فلكس فانون في بدايات القرن العشرين , وقد نشر في هذا النوع القاص العراقي الرائد (نوئيل رسام ) قصة موت فقير في جريدة البلاد في 16 حزيران 1930 قبل ان تنسب الريادة لناتولي ساروت بعد صدور مجموعتها القصصية أنفعالات في 1932) ( مدخل لدراسة القصة القصيرة جدا في العراق).

حمدي مخلف الحديثي في ص22

لقد أجتهد الدرس النقدي كثيرا في تقعيد هذا النوع السردي على اسس راكزة تعددت وتنوعت كثيرا.

أن الاشتراطات التي أوجدتها القصة القصيرة جدا في السرد العربي فتحت المجال واسعا امام بنية تجريبية مغايرة ترتكز اساسا على الضيق الشديد لمساحة النص , الذي بات أحيانا لا يتجاوز البضع كلمات (يجب أن لا تتجاوز الق ق ج صفحة قياسية , وقد يكون طولها في الحالات المتطرفة سطرين أو سطر واحد ) المصدر السابق ص 17 , لقد أضحى التحرك في هذه المساحة يحتاج الى الكثير من الخبرة والحيطة , وألية كتابة مغايرة , أفضت الى أعادة الكتابة عبر لغة سردية تعتمد على التكثيف والشعرية ضمن وحدة الحكاية , لأننا أمام فن تجريبي . كما وتلعب المفارقة في الق ق ج دورا حاسما اذ تؤدي الى تغير وظيفة النص واللغة من الخيرية الى الشعرية من خلال كسر افق توقع القارئ ( أن أهمية ق ق ج الفنية تكمن في قدرتها على اختزال وتكثيف أركان السرد ,الاحداث , الشخصيات , الزمان , المكان, أولا وضرورة تحقيق المفارقة المدهشة التي تنقل النص من الأخبار الى الإيحاء ...فانتقال وظيفة النص من الوظيفة المرجعية الى الوظيفة الشعرية هو ما يحقق المفارقة المدهشة ) عبد علي حسن وهم المرجع في المتخيل السردي ص 154

ان هذا الانتقال في وظيفة النص يتم عبر لغة سردية مغايرة تترك فيه اللغة وظيفتها الأساسية الإخبارية الى وظيفة ايحائية متخيلة

(ازدراء/ الطفلة التي نظرت بعين الغيرة الى اختها الرضيعة؛ فقئت عين دميتها ).لقد نجح القاص في خلق معادلة دلالية عبر المتخيل السردي لتبيان الحالة النفسية للطفلة أزاء أختها الرضيعة

.(والقصة القصيرة جدا يمكن تكريسها ضمن عوالم اقتصا/سردية وهي ذات العوالم التي رسمت ماكير السرد في زمن العولمة) زهير الجبوري /سرديات التقارب /السرد البابلي الثاني ص17

ولم تتضرر بنائية النص من تكرار كلمة (عين )في نص من بضع كلمات ونجح القاص في نقل لغة النص الخبرية الى الشعرية عبر قفلة مدهشة

وإذا كان العنوان الذي اعتبرته الدراسات النقدية الحديثة عتبة أولى تقود الى حيثيات النص , فأن طبشاروم المجموعة القصصية القصيرة جدا للقاص طالب عمران المعموري تبدأ غوايتها السردية منه , والذي لا يبدو غريبا عن المتداول اليومي حيث استدعاه القاص من أزمان سحيقة في التأريخ العراقي القديم يعود الى الدولة الأكادية .( مجموعة طبشاوم .. .تبدأ لعبتها السردية من العنوان ...هذا العنوان يعني الكاتب او الناسخ على الألواح في اللغة الأكادية ) علي لفتة سعيد مقدمة المجموعة ص9-10 . يعتبر العنوان عتبة اولى وتناصا معرفيا مع التاريخ الانساني / العراقي الذي كان مهد الحضارات الاولى

لقد تعمد القاص بدءا عدم الإشارة الى معنى العنوان مما يتحتم على القارئ الركون الى التأريخ لمعرفة المعنى الذي يتناسق دلاليا مع أداة كتابة الطلبة على اللوح في المدارس (طباشير ) قبل ظهور الواح الكتابة الحديثة .يوحي لنا العنوان بمجموعة دلالات تتعلق بالكتاب فهو تارة يحدد وظيفة للقاص ككاتب على الالواح الطينية ومن جهة اخرى يشير الى ان النصوص هي عبارة عن رُقم طينية وهو توجيه مبطن للقارئ بالتأني في قراءة النصوص بحذر وفي الوقت نفسه بتأني . أن عدم القدرة على أدراك مقصديه الكاتب تنبع من عدم وجود نص يحمل هذا العنوان في المجموعة , وهو أصرار لأشاعة غلالة من الغموض المقصود

( وبالتالي فإن الأسقاط الذي يشكله العنوان أنه بداية اللعبة السردية للقاص داخل المجموعة ) علي لفته سعيد نفس المصدر 10 .

في المجموعة التي تحتوي على واحد وتسعون نصا أضافة الى المقدمة والسيرة الذاتية للكاتب , صدرت عن دار أمارجي للطباعة والنشر – العراق في العام2022 . يحمل غلافها الاول لوحة تبدو كسور حصين لمدينة تأريخيه تحمي نفسها من الغزاة , وعند التدقيق نرى كفين مفتوحين كما لو أنهما يحاولان احتضان المدينة والمساهمة في حمايتها , والغلاف من تصميم الكاتب نفسه مما يعلن عن موهبة جديد أضافة لمواهبه في كتابة القصة والرواية والنقد , وكنص موازي تبوح صورة الغلاف برسالتها المشفرة التي يحاول الكاتب ايصالها للقارئ , التي عبر عنها الاهداء بوضوح تام ( الى أمي والارواح التي ماتت حسرة ) وهذا موقفا اخلاقيا وتعاطفا صريحا مع انتمائه للناس وللأرض التي ترعرع عليها وتأريخها .

استخدم القاص التقنيات الحديثة في كتابة الق ق ج وهي التقنيات التي تعمل في حيز محدود وضيق والتي تعتمد على السرعة التي توفرها الجملة الفعلية والتكثيف والقفلة المدهشة ووجود حكاية في النص ليست كما اشترطها ارسطو في كتاب فن الشعر

وهي بذلك .تتوفر على مكونات اجناسية تميزها عن انواع السرد الاخرى كالقصة القصيرة

(اختيال/صاح بغطرفه , نفش ريشه , ظن بنفسه الظنون , تطلع من علو , هم بالقفز علقت ساقه بالقمامة )المجوعة ص44

وهكذا الحال مع اغلب نصوص المجموعة التي تعبر عن دراية ومعرفة في كتابة الق ق ج من حيث عناصرها البنائية والاسلوبية ( تعويض/ دخلوا ملاهي الاطفال , أختار الابن أحد الالعاب , تابع الأب طفله الصغير وهو يلعب جذلا , راح عقل الام يلعب بعيدا مع اطفال اخرين )المجموعة ص 17

وهي حكايات اعتمدت الواقع كمرجع وتعاملت معها بخبرة عالية حولتها الى نصوص قصيرة جدا بحرفية , حيث تم رسم المشهد عبر الفعل الماضي دخلوا بصيغة الجمع بأشارة الى عائلة من ام و اب وطفل اللذان انهمكا في اللعب بينما عقل الام يلعب بعيدا . أين ؟ لم يفصح النص وترك الامر للقارئ الذي سيسعى الى ايجاد حلا . فهل العائلة لم تجلب كل ابنائها للعب لضيق ذات اليد ؟ ام ان الام لها اولاد اخرين من زواج فاشل سابق . أم أن مشاعر الامومة نغصت عليها فرحتها وهي تسمع الاخبار عن اطفال اخرين يعيشون اوضاعا مأساوية في مكان ما في هذا العالم الفسيح .

ورغم هذه الحرفية يقع القاص احيانا تحت اغراءات السرد واغواءاته فيدفعه الى التغاضي و التساهل في اشتراطات الق ق ج وتقنياتها . فليس ملائما استخدام كلمة ( ملاهي ) لأن للكلمة استخدام شائع أخر .

( ملامه/ ارتقى المنبر: قصديتي بعنوان , الصمت, لم ينبس ببنت شفه , أومأ بسبابته نحوهم , تعالى صوت تصفيق الجمهور, بينما هو ينزل من المنصة )المجموعة ص70 .

ان استعمال كلمة منبر ليس موفقا لما توحي به من دلالة مغايرة ,في حين جملة بينما هو...جملة انشائية ليست ذات تأثير على النص لو حذفت , أضافة انها جعلت القفلة تقع داخل النص . كل هذا سببه أغواءات السرد وإغراءاته التي كثيرا ما تراود الكاتب . بعض النصوص عانت من هذه الاغواءات مثل نكران , ردة , هفوة , تنازل , ندم ,عق عبودية .مجموعة طبشاروم للقاص طالب المعموري أضافة معرفية مائزة في القصة القصيرة جدا /

 

 


مشاهدات 54
الكاتب عبد الحسين العبيدي
أضيف 2025/02/04 - 11:41 PM
آخر تحديث 2025/02/05 - 2:33 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 51 الشهر 2240 الكلي 10397611
الوقت الآن
الأربعاء 2025/2/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير