الجلاد والضحية: رواية إسرائيل بعد تدمير غزة
ادهم ابراهيم
دورة الصراع العربي الإسرائيلي معقدة ، مليئة بالاحداث الدراماتيكية . وتقدم إسرائيل نفسها في كل مرة على انها دولة صغيرة محاصرة من قبل جيرانها العرب، تعاني من التهديدات الوجودية . هذه الصورة النمطية تتكرر في كل الحروب العربية الإسرائيلية ، حيث كانت الرواية الصهيونية تروج لفكرة أن اليهود كانوا ضحايا للاضطهاد عبر التاريخ، خاصة بعد المحرقة النازية (الهولوكوست) خلال الحرب العالمية الثانية. هذه السردية جعلت من إسرائيل، في أعين الكثيرين، الضحية التي تسعى لحماية نفسها من أعدائها . ولكنها تحولت من ضحية إلى جلاد، نتيجة ممارساتها القمعية والعنيفة ضد الشعب الفلسطيني، خاصة في الأراضي المحتلة.
وقد تجلى ذلك بوضوح في الحرب الأخيرة على غزة التي أسفرت عن مقتل أكثر من 50 ألف فلسطيني وتدمير شامل للبنية التحتية .
لقد كانت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة عملية غير مسبوقة . جرى خلالها تسوية أحياء بأكملها، ومحو عائلات، كما تم تدمير مدارس ومستشفيات وملاجئ ، فشهد العالم اكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية . الأرقام مذهلة، والجروح التي لحقت بالمجتمع الفلسطيني ستستغرق أجيالا للشفاء . وعندما تتم إزالة الأنقاض، سيتبين أن عدد الضحايا أكبر بكثير من العدد الرسمي المعلن عنه . وكان معظم القتلى من النساء والأطفال. وهناك أيضاً أكثر من مائة ألف جريح . اضافة الى الاعتقالات والترحيل والجوع ونقص الأدوية.
هذه الأعمال لم تعد تتناسب مع مفهوم الدفاع عن النفس، بل تحولت إلى إبادة جماعية ضد شعب أعزل
على وفق منظمة العفو الدولية .
وبينما كان العالم يشاهد عمليات القتل والتدمير في ارتفاع مستمر ، وصور المعاناة تنتشر، نشأ سؤال ملح: هل يمكن لدولة لها السلطة الساحقة وتتسب في مثل هذه المعاناة أن تدعي أنها ضحية؟
التاريخ لا هوادة في حكمه. إنه لا يسجل فقط لحظات النصر والمأساة ولكن أيضًا الأدوار المتغيرة للجلاد والضحية.
إسرائيل، التي كانت تدعي أنها ضحية، أصبحت اليوم جلادًا يمارس القمع والعنف ضد شعب أعزل.
ان الضرر المعنوي الذي لحق
باسرائيل كان هائلا . بعد ما شاهده العالم أجمع في اللقطات من غزة،
وقد تبدد آخر بقايا لصورة الضحية، كما لن يكون من الممكن وصف كل منتقدي تصرفات إسرائيل بمعاداة السامية. وسوف تتزايد هذه الانتقادات أكثر فأكثر، ليس فقط ضد الإبادة الجماعية، بل أيضاً ضد السياسات التي ستتبعها إسرائيل في المستقبل.
للمجتمع الدولي دور حاسم في محاسبة إسرائيل على أفعالها . فقد قالت محكمة العدل الدولية إن استمرار وجود إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني . كما أمرت إسرائيل باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة اوالتحريض المباشر عليها .
ولأول مرة يتشكل تحالف من 9 دول "مجموعة لاهاي" لانهاء الاحتلال الإسرائيلي للاراضي الفلسطينية، وإنهاء الإفلات من العقاب ، ودعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير .
وستواجه إسرائيل إدانة تاريخية،
إذا لم تعالج القضية الفلسطينية بشكل عادل. فالعنف والقمع لن يحققا الأمن لإسرائيل، بل سيزيدان من الكراهية والرغبة في الانتقام. القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية، بل هي قضية إنسانية تتعلق بحقوق الإنسان الأساسية، مثل الحق في الحياة والحرية والعدالة .
الحل الوحيد لهذا الصراع الطويل لايكمن في العنف المفرط والحروب المستمرة بل في تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني .
يبقى الخيار: هل ستستمر إسرائيل في طريق الدمار والعزلة الدولية، أم أنها ستعترف أخيرًا بأن الأمن الحقيقي لا يأتي من الهيمنة العسكرية ولكن من السلام والعدالة؟
العالم يراقب والتاريخ يكتب حكمه بالفعل .