الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
السلام الأهلي في العراق بين الواقع والتحديات

بواسطة azzaman

السلام الأهلي في العراق بين الواقع والتحديات

رشيد العجيل

 

السلام الأهلي هو أساس استقرار أي مجتمع فهو يعبّر عن التعايش السلمي بين مكوناته المختلفة بغض النظر عن العرق أو الدين أو التوجهات الفكرية. وقد كان العراق عبر تاريخه الطويل نموذجا" للتعددية والتسامح حيث عاش المسلمون والمسيحيون العرب والكرد والشيعة والسنة وغيرهم من المكونات جنبا" إلى جنب في نسيج اجتماعي متماسك. غير أن التدخلات الخارجية وخاصة من قبل أميركا وإنكلترا وخلفهم إسرائيل لعبت دورا" رئيسيا" في تفكيك هذا النسيج وإثارة النزاعات الداخلية التي لا تعبر عن حقيقة المجتمع العراقي.

التعددية في المجتمع العراقي: من الوحدة إلى الانقسام

لطالما كان العراق مجتمعا" متجانسا" رغم تنوعه حيث كانت المدن العراقية مثل بغداد والبصرة والموصل تزخر بثقافات متعددة وتعايش سلمي بين مختلف الطوائف. ولكن بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 بدأ العراق يشهد حالة خطيرة من الانقسام الطائفي والعرقي إذ اعتمدت القوى المحتلة سياسة "فرق تسد" لتعزيز الانقسامات الداخلية وإضعاف قوة المجتمع.

لم يكن هذا السيناريو جديدا" فقد تم استخدامه سابقا" في الدول العربية الأخرى لإثارة الصراعات الداخلية وإضعاف المجتمعات من الداخل. ومن هنا فإن ما حدث في العراق لم يكن نتيجة خلافات داخلية طبيعية وإنما كان نتيجة سياسات ممنهجة لتفتيت المجتمع وإضعاف وحدته.

حرية التعبير أم ازدواجية المعايير؟

في ظل الأنظمة الديمقراطية يُقال إن لكل فرد الحق في حرية التعبير لكن لماذا لا يتمتع الناس بالحق ذاته في الاعتقاد الفكري والعقائدي طالما أنهم لا يؤذون الآخرين؟ لماذا يتم تبرير الإساءة إلى رموز دينية وثقافية تحت شعار الحرية بينما يتم قمع أي رأي يعارض السياسات السائدة؟

إذا نظرنا إلى العالم وبالخصوص في أميركا والدكتاتور الجديد فيها نجد أن هناك معايير مزدوجة في التعامل مع الأديان والشعوب. فبينما يُطلب من المسلمين الدفاع باستمرار عن أنفسهم بسبب ممارسات فردية لا يُطلب الشيء ذاته من أتباع الديانات والقوميات الأخرى رغم وجود جماعات متطرفة في كل الأديان والقوميات. هذا التركيز المفرط على الإسلام والعرب ومحاولة شيطنتهم من خلال الإعلام والسياسات الغربية هو جزء من استراتيجية أوسع لإضعاف الدول العربية وإثارة الانقسامات داخلها.

إعادة بناء السلم الأهلي: الحلول والتحديات

إن استعادة السلم الأهلي في العراق لا يمكن أن تتم دون معالجة الأسباب الحقيقية للتوترات الداخلية والتي تتمثل في:

1) رفض التدخلات الخارجية: لا يمكن للعراق أن يستعيد استقراره إلا إذا استعاد سيادته الكاملة ورفض أي أجندات خارجية تسعى لإثارة الفتن.

2) تعزيز الهوية الوطنية: يجب على العراقيين أن يدركوا أن قوتهم تكمن في وحدتهم وأن الهويات الطائفية أو العرقية لا يجب أن تكون سببا" للفرقة.

3) إصلاح النظام السياسي: محاربة قيادات الفساد السياسي وبناء نظام قائم على العدالة والمساواة حيث يشعر جميع المواطنين بأنهم متساوون في الحقوق والواجبات.

4) التسامح الفكري والديني: من حق كل فرد أن يؤمن بما يشاء ما دام لا يفرض معتقداته على الآخرين أو يهدد استقرار المجتمع.

ختاما" لا شك أن العراق قد مرَّ بفترات عصيبة كان للصراعات السياسية والطائفية الدور الأكبر في تمزيق نسيجه الاجتماعي وإضعاف مؤسساته. لكن المنطقة العربية الان امام تحدي كبير مع وصول ترامپ لقيادة العالم حسب الرؤيا الصهيونية وعرابها مجرم الحرب نتنياهو لرسم خارطة جديدة وهذا يتطلب وعيا" وطنيا" رافضا" لسياسات التفرقة وإرادة حقيقية لوضع مصلحة البلاد فوق المصالح الضيقة. فالتاريخ أثبت أن العراقيين قادرون على تجاوز المحن عندما تتوحد جهودهم نحو هدف مشترك وهو بناء وطن مستقر تسوده العدالة ويقوم على أسس المواطنة الحقة. إن مسؤولية استعادة السلم الاجتماعي تقع على عاتق الجميع بدءا" من النخب السياسية النزيهة إلى المواطنين العاديين عبر ترسيخ قيم الولاء للوطن ونبذ الخطاب الطائفي ليكون العراق قويا" ونموذجا" للوحدة والتعايش بدلًا من أن يكون ساحة لصراعات الآخرين.

 


مشاهدات 54
الكاتب رشيد العجيل
أضيف 2025/02/04 - 11:43 PM
آخر تحديث 2025/02/05 - 2:40 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 46 الشهر 2235 الكلي 10397606
الوقت الآن
الأربعاء 2025/2/5 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير