العلامة حسين علي محفوظ .... الموسوعي المتفرد
باقر محمد الكرباسي
في تاريخ وادي الرافدين هناك شخصيات خالدة نعتز بها نقشت أسماءها في طين هذا البلد وإمتزجت مع مائه وترابه بنصوص دخلت القلوب وعشقتها الأفئدة، ولا شك في أن الكتابة عن هؤلاء الذي ألفوا قيمة عليا في مجال اختصاصهم الإبداعي والفكري، الكتابة عنهم هي من القضايا الصعبة والشائكة خوفاً من التقصير بحقهم، من هذه الشخصيات الخالدة العلامة حسين علي محفوظ، أستاذ كبير وعالم فذ و محقق ثبت عراقي المولد طباعه محمودة ومعانيه صائبة ومؤلفاته غزيره مثمرة، عالمه واسع سعة علمه والحياة تجري لمستقر لها يبرز في مسيرتها للاحبة رجال أفذاذ يتركون بصماتهم في الميدان، والعلامة الراحل من هؤلاء، رجل أدى دوره بأمانة العالم وصدق الإنسان المخلص لوطنه وأمته وللإنسانية، أطل على الكتابة والتأليف من أبواب عديدة فكان عميداً في البحث والأدب واللغات الشرقية والحديث الديني والانساب والوثائق والأرشفة والتقاويم والمجالس البغدادية، إنه موسوعة فريدة تضم جل المعارف، وعند الحديث عن العلامة محفوظ تتداعى الى الذهن سمتان بارزتان في نتاجه:
الأولى: إهتمامه بالتراث واللغات الشرقية وآدا بها وأبرازها على الساحة الثقافية.
والثانية: عشقه لبغداد العلم والحضارة والثقافة لذا سمي عاشق بغداد وشيخها.
وقف الرجل حياته على البحث و التأليف يولع بهما ويجد فيهما لذة ومتاعاُ الا يعد لهما متاع آخر، يبحث وينقب، يقرأ ويتطلع، يحقق ويراجع، يشرح ويعلق، يكتب ويؤلف ذلك همه وتلك غايته، كان فصيح العبارة بليغ المعنى سيّال الفكر غزير الثقافة إنساناً وهو أحد أولئك المثقفون الاحلاء وأحد عمالقة اللغة العربية والتراث العربي، كانت كتاباته تحيل إلى ثقافة موسوعية شاسعة ورؤية علمية عميقة وقدرة بحثية نادرة، وعن نتاجه يؤكد الباحثون بأن أكثر من ألف رسالة أو دراسة أو بحث أو مقال وقصيدة ومقالة ومقطعة وترجمة ونبذة من غير المحاضرات والخطب والكلمات والتعليقات والنقول والمقدمات والتصادير والتصحيحات، كل ذلك يعود للعلامة محفوظ وكلها ما زالت مخطوطة وصنفها ووضعها على رفوف مكتبتة العامرة، يقول الشيخ عيسى الخاقاني عن العلامة الراحل : (العلامة حسين علي محفوظ علامة دهره، وفهامة عصره، العلامة الفذ والعبقري الجهبذ، والموسوعة العلمية الفائقة، والخميلة الأدبية الرائقة، مثال سيرة الخلف الصالح بالعلم والعمل، حتى عاد زينة البلاد وقدوة العباد، ذاق الحياة يوم أن مات)، تعلم منه طلابه الصدق والتسامح والمحبة والتواضع والبساطة وحب العلم والوطن والخير، رجل امتلأ علماً ومعرفة زينة خلق كريم ناهيك عن رزانة ودماثه وصحافة رأي، يتجول في حدائق التراث العربي ويختار لنا من كائناته قطافاً و يطعمها سخاء ثمارها ويهدي للمتلقي أسرارها، ولا يغفل هذا العالم عن حقيقة مفادها: إن معرفة الذات والنفس لا تتم إلا بقراءة مرجعيات تلك الذات ومسببات هذه النفس فكان أن قرأ التراث العربي البعيد البعيد ودرس العجيب العجيب عند الأمم وأظهر النفيس النفيس منه عندما حقق مجموعة من المخطوطات التراثية، أما أحاديثه فقد كانت ممتعة لا يمل منها فقد تحدثنا يوماً عن رحلاته الى الشرق وبالذات أفغانستان وكيف مكث فيها شهوراً عديدة كي يدون أسماء القبائل العربية الموجودة هناك، وأحاديث أخر عن العلم والعلماء والمجالس قديماً وحديثاً وعشقه لبغداد وما تحويه مكتبته من مخطوطات وكتب ثمينة عنها، فقال عن الكتاب: (إن الكتاب أفضل معاون، وخير مقارن وأنبل جليس وآنس أنيس وأصدق صديق وأحفظ رفيق وأكرم مصاحب وأفصح مخاطب وأبلغ ناطق)، وكان يحب النجف حباً كبيراً قال عنها: (مثابة العلم الجم، ومعدن الخلق العظيم، وموقع الرأي الأصيل، ومقر التراث المجيد، محل الحكمة والإجتهاد ومكانة العقل والفضل ومظنة الطهارة والنزاهة)،
العلامة حسين علي محفوظ مفكر وشاعر وأديب وخطيب وفلكي ونسابة ومؤرخ وتربوي ومحقق ثبت فضلاً عن إجادته لعدة لغات وكل ذلك وغير صنعته إرادة محفوظ الذي حافظ على كبريائه وعظمة إرادته بعيداً عن الأضواء قريباً من قلوب الناس، ولكي لا يضيع تراث الموسوعي المتفرد حسين علي محفوظ أدعو من يملك يداً تقدر العلم والمعرفة أن تمتد إلى هذه التراث حتى يرى النور ويطلع عليه الجميع .