الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
لا اجتهاد في مورد النص:  (مبدأ يضمن الاستقرار التشريعي)

بواسطة azzaman

لا اجتهاد في مورد النص:  (مبدأ يضمن الاستقرار التشريعي)

 علي سلمان البيضاني

 

يُعد مبدأ "لا اجتهاد في مورد النص" من أهم الركائز التي يقوم عليها النظام القانوني في العديد من الدول، وهو مبدأ يهدف إلى ضمان الاستقرار التشريعي واليقين القانوني. ببساطة، يعني هذا المبدأ أنه عندما يكون هناك نص قانوني صريح وواضح يحكم مسألة معينة، فإنه لا يجوز للقاضي أو الفقيه أن يجتهد في تفسير هذا النص أو البحث عن حلول بديلة خارج إطاره.

ما معنى "مورد النص"؟

يشير "مورد النص" إلى وجود نص قانوني واضح وصريح ينظم مسألة معينة بشكل لا يحتمل اللبس أو التأويل. فعندما تكون الكلمات المستخدمة في القانون قاطعة وذات معنى محدد، لا يبقى مجال للاجتهاد أو البحث عن نوايا المشرّع المفترضة. فالمشرّع قد عبر عن إرادته بشكل لا يدع مجالاً للشك، وبالتالي يجب أن تُطبق هذه الإرادة كما هي.

لماذا هذا المبدأ مهم؟

تكمن أهمية مبدأ "لا اجتهاد في مورد النص" في عدة جوانب أساسية:

 * تحقيق اليقين القانوني: عندما تكون النصوص القانونية واضحة ومُلزمة، يعلم الأفراد والجهات المعنية تمامًا ما هي حقوقهم وواجباتهم، مما يقلل من النزاعات ويوفر بيئة قانونية مستقرة يمكن التنبؤ بنتائجها.

 * ضمان المساواة أمام القانون: تطبيق النص الصريح يضمن أن جميع الحالات المتشابهة تُعامل بنفس الطريقة، دون تحيز أو تباين في الأحكام بناءً على تفسيرات شخصية للقضاة.

 * الحد من التعسف والانحراف: يمنع هذا المبدأ القضاة من إصدار أحكام مبنية على آراء شخصية أو اعتبارات خارجة عن إطار القانون، مما يحمي من التعسف ويضمن تطبيق العدالة بمعناها الحقيقي.

 * صيانة سلطة المشرّع: يُحافظ هذا المبدأ على دور السلطة التشريعية في سن القوانين، ويمنع السلطة القضائية من "التشريع" عن طريق التفسيرات الواسعة أو تجاوز النصوص الصريحة.

متى يجوز الاجتهاد؟

على الرغم من أهمية هذا المبدأ، إلا أنه لا يلغي دور الاجتهاد القضائي والفكري بشكل مطلق. فالاجتهاد يصبح ضروريًا ومسموحًا به في الحالات التي لا يوجد فيها نص صريح، أو عندما يكون النص غامضًا، أو ناقصًا، أو متعارضًا مع نصوص أخرى. في هذه الحالات، يضطر القاضي أو الفقيه إلى:

 * تفسير النص: البحث عن معنى النص ومراد المشرّع من خلال السياق التشريعي، أو الأعمال التحضيرية للقانون، أو القواعد العامة.

 * سد النقص: في حال عدم وجود نص يحكم مسألة معينة، يمكن للقاضي الرجوع إلى المبادئ العامة للقانون، أو العرف، أو الفقه، أو أحكام القضاء في حالات مشابهة.

 * التوفيق بين النصوص المتعارضة: في حال وجود تعارض بين نصين قانونيين، يجتهد القاضي في التوفيق بينهما أو ترجيح أحدهما وفقًا لقواعد الترجيح المعمول بها.

خاتمة

مبدأ "لا اجتهاد في مورد النص" هو صمام أمان يضمن أن تبقى القوانين هي الفيصل، وأن تُطبق وفقًا لإرادة المشرّع الواضحة. إنه يعزز من مفهوم دولة القانون ويُسهم في بناء نظام قانوني يتسم بالثبات والعدالة والوضوح، مع الإقرار بأن الاجتهاد يصبح أداة ضرورية لاستكمال البناء القانوني في حالات الغموض أو النقص، وليس في وجود النص الصريح والقاطع.


مشاهدات 81
الكاتب  علي سلمان البيضاني
أضيف 2025/07/10 - 1:25 AM
آخر تحديث 2025/07/10 - 5:05 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 204 الشهر 5688 الكلي 11159300
الوقت الآن
الخميس 2025/7/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير