الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
ســـــروج

بواسطة azzaman

قصة قصيرة

ســـــروج

 قاسم المعمار

 

-              اعتدت ظهيرة كل يوم خميس من الصيف القارض ان احتضن حفيدي يحيى ومصطفى لاحدثهم عن ذكريات صباي ومنها هذه الحتوتة .

-              حينما كنت في مرحلة دراستي الابتدائية وخلال العطلة الكبيرة كنت استغلالها للعمل صانعاً لدى جارنا الخياط السيد مرتضى ايراني الاصل من منطقة اصفهان صاحب العمامة السوداء والجبة الرصاصي واللحية البيضاء هذه الشخصية اللامعة كنت اخشاها واطيعها وصديقي الوحيد (عباس) ولده المقارب لعمري ...

-              البداية لهذا ، هو الابكار الصباحي للعمل وفتح الراديو للقرآن الكريم تبركاً لذلك الصباح ثم القيام بالتنظيف والترتيب وتنظيم احتياجات الخياطة من مقص والمقياس وبقايا الاقمشة وبكرات الخيوط والابر والكشتبان وشريط المقياس فوق طاولة الفورميكا ومسح ماكنة الخياطة سنكر وتهيئتها للعمل ثم القيام برمي الفضلات ورش مقدمة الباب بالماء تبركاً لذلك اليوم بالرزق الوافر وحصولنا على حلاوتنا عشرة فلوس مقابل خياطة سروال او قاط او قميص ومسح المراوح واريكة الزبائن لهذا المحل الذي يقع وسط السوق الكبير للمدينة .

-              كان حديث هذا الرجل معنا ينم عن خلق وادب رفيع صاحب ارشاد وتوجيه لتقويمنا في تحمل العمل والصبر دائم المقولة الخالدة من صبر ظفر رغم تعثره في سلامة اللغة العربية حتى اجد همسات ولده وصديقي عباس توحي الي بالدهشة والاستغراب مشفوعة بإبتسامة لهذه اللكنة الفارسية المتعمقة لدى ولده ابن الاربعين عاماً عاش منها ثلاثين سنة في هذه المدينة العربية (طويريج) الهندية كما انه صاحب املاك وبستان ويبيع ويشتري دائم الصلة بأبنائها اضافة الى مزاوجته لعدد من بناته السبعة من ابناء الديرة كل ذلك وعباس يؤكد لي بقاء هذا اللحن في محادثة والده البيتية اليومية ...

-              اكثر من ثلاثة فترات عمل قضيتها معه لم اتعلم منه سوى خياطة الدكمة وفتحتها ولضم الابرة وقص مؤشرات القياس للاقمشة وتسجيل القياسات وفي هذه الاخيرة لنا فرحة العمر في التطوير نتباهى بها امام اهلنا واصدقائنا لهذه الخطوات المباركة لعملنا معه ...

-              بابا اصبرا جيداً ان التعلم درجات لا تستعجلوا انا سنوات طوال بقيت صانعاً حتى اصبحت اليوم درزي خياطاً معروفاً تحملت المشاق والسب والضرب لاتفه الاسباب حتى كرهت العمل الا ان اهل الخير طلبوا في التريث والصبر رغم معرفتهم بقساوة وبخل استاذي الخياط الذي كان يلقب بابراهيم الاصفر لجلفه وعدم ابتسامته جاد في عمله حريصاً على مواعيده يكره الدين والتقسيط لم المس خطئه في عمله يحب مدح نفسه امام الحضور ... هذه الخصلة الاخيرة قد استثمرتها واستخدمتها لصالحي وارتقائي المهني وانا ازداد تلذلذاً بأطرائه وهو المبهور كونه المتميز دقة ونوعية وكماً في فن الخياطة فوق مستوى الجميع ... ثم يستطرد لنا قائلاً ..

-              هاانذا تروني ياولادي قد نجحت في تعلمي على يد ماهرة ... اتمنى ان تحذوا حذوي في هذا النسق والاجادة ونحن نردد الكلمة العربية – الفارسية المشتركة ... بلي استاذنا .. بلي استاذنا ... خوية ...

-              وفي المرحلة المتوسطة حلت معنا شخصية جاءت من اقاربه من منطقة اصفهان مرسلة من قبل عن استاذنا هنالك للعمل في العراق .. الا انني وجدت عباس قد تذمر من مجئ هذا الرجل وقال لي ان هذه الشخصية نزافة في اخلاقها غير امين في عمله وتعبيراتها سمحة وفعلا بدأت اشعر بل اشاهد والمس هذه الشخصية القلقة مما اتفقت مع عباس ان نخبر استاذنا عنه وهو يبيع حاجيات المحل وكان لنا ما اردنا حينما انفردنا بأخباره عن هذا الغريب ..

قال – كيف اطرده وقد ارسله عمي كي يعمل معنا .

قلنا – نحن نستطيع فعل شيء يجعله يعود الى اهله ..

قال – كيف ؟

قلنا – اترك الامر لنا .

-              ثم التفتٌ نحو عباس قائلاً اتعرف (الشعوذة ).

-              اجاب – نعم صاحبها زميل معنا في المدرسة .

-              اذن هو الحل

-              وكيف

-              اعتقد انه اكثر تقرباً الينا في المدرسة ويتودد لكسب صداقتنا – لقد حان وقته المناسب اليوم ...

وبعد محاورة ثنائية اتفقنا للذهاب اليه وتوضيح مشكلتنا امامه لعله يساعدنا وهو المعروف عنه في المدرسة شخصية مشاكسة ومشعوذة في سلوكيته يمسك الثعابين والعقارب يتلذذ في قتل الحيوانات الاليفة من القطط وكلاب .. شرس الطبع لا يأبه شيء ... نحن الوحيدين محط احترامه ... حينما التقيناه وعرف مشكلتنا اهتزت مشاعره وقال لاتخافا فأنا معكم مع ابتسامة عريضة اريد رؤيته ومعرفته عن بعيد . والبقية سترونها متروك لي ..

صدفة كان مجيء وعودة هذا الغريب من امام زقاق هذا الشعوذة الذي حمل افعى غير سامة لكنها مخيفة واختبئ وراء جدار متهريء وحين ورود هذا الغريب رمى عليه الثعبان مما تفاجئ به صارخاً يطلب النجدة كان يوم سوداوي في حياته اهتزت فرائصه واصفر لونه واخذ يتلعثم بالكلام وحين ولجوه محل الخياطة صارخاً باكياً ثعبان ... ثعبان هاجمني بعنف اريد العودة الى اهلي لا اتحمل البقاء .

الا ان استاذي اراد تهدئته والتعاطف عليه .. الا ان اصراره على العودة منطلقا له ثم سحب حقيبته وبعض حاجاته وخرج مسرعاً مهرولاً صارخاً بابا حية . ثعبان .ونحن في ضحكة متناسقة كوننا عرفنا معاً ان صاحب الفكرة صديقنا المشعوذ (المنقذ) هو من قام بذلك الفعل ..

-              وبعد عشرة ايام وصلت برقية من عم استاذنا نخبر بدخول هذا الغريب المستشفى في طهران للمعالجة ..

-              وحينما انهيت دراستي الا الاعدادية وحللت في بغداد وعائلتي معي لاكمال دراستي الجامعية اخبرني زملائي من ابناء مدينتي بتهجير سيد الخياط واسرته الى ايران ضمن حملات التهجير العشرية وان عباس قد بعث لي برسالة حملت الشوق والآم  والحسرة والحرمان لهذا القدر الظالم لفراقنا الذي ماكنا نحلم به يوماً وهو صاحب النكتة والكلام المؤدب الجميل .

يخبرني بوفاة الرجل الغريب (الكابوس) في المستشفى نتيجة اعتداءات زملائه عليه وهذه عاقبة الدنيا ...

ويمضي بالكلام المرسل .. لا استبعد عودة لقاءنا مهما طال الزمن فدارنا جاركم في المدينة متروكة للاغتراب والدمار في حين انتم غادرتم الى بغداد متمنين لكم الخير والموفقية يا اعز صديق واخ وجار عرفناه..

-              نعم حينها لم اتمالك نفسي الا والدموع تنهمر

-              واجهشت بالبكاء وانا استذكر الساعات والايام والسنين الحافلة بافراحها واتراحها معاً تمر عبر شريط سينمائي انتهت بخاتمة الفراق اللعين الذي فرضته اصابع الرذيلة بالتوقيع على قرار التهجير القسري لهؤلاء الابرياء.

-              نعم اكبادي احفادي استمتعتم لهذه الحكاية وانا اتوجس فيكم ملامح النعاس والنوم في عالم البراءة المقرون بالتألم لهكذا نماذج من مسارات حياتنا اليومية ..

 

هامش ..

  - تعني كلمة السروج مفردتها سرج هي فراش ظهر الفرس او         الحصان مصنوعة من انواع الجلود يخفف عن وطأة السايس او الخيال الممتطي لها .

 - وبعد رجال الكاوبوي الامريكيين هم اول من استخدم السروج المريحة اثناء الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب وهي حمالة للسلاح والبشر معاً . وراحة لجسد الانسان والحيوان معاً .. وهي جزءاً مهماً من هودج الجمال ...


مشاهدات 70
الكاتب  قاسم المعمار
أضيف 2025/07/10 - 1:24 AM
آخر تحديث 2025/07/10 - 5:06 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 174 الشهر 5658 الكلي 11159270
الوقت الآن
الخميس 2025/7/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير