ملايين يجمعها حب الحسين
جواد العطار
بين شهري محرم وصفر من كل عام تشهد مدينة كربلاء المقدسة خصوصا وكافة مدن العراق عموما تجمعا بشريا هو الاكبر عالميا احياءا لذكرى استشهاد الامام الحسين في العاشر من محرم الحرام ، وبحسب احصائيات مجلس محافظة كربلاء والعتبة الحسينية المطهرة لاعداد الزائرين في الاعوام الماضية فقد بلغت عشرات الملايين من الزوار العراقيين والعرب والمسلمين طيلة الايام الاربعين الحزينة من ذكرى الاستشهاد الى يوم الاربعين وهي في تزايد كل عام بل امتدت الى الاول من محرم الحرام حتى اواخر شهر صفر… يقدم الجميع من كل حدب وصوب ومن مختلف الاراضي والبقاع للمشاركة والتعزية واداء مراسم الزيارة.. التساؤل الذي يطرح نفسه ، هو اي قوة هائلة تقف وراء هذا التجمع والاندفاع والتحدي والبذل والعطاء اللا محدود من قبل مختلف الشرائح بدءا من الشيخ الكبير والمرأة المسنة والشاب اليافع وصولا للطفل الصغير ، فالجميع يقطع القفار ومئات الكيلومترات بالسيارات والطائرات وسيرا على الاقدام غير آبه بالظروف الجوية ولا الاعباء المادية للسفر والتنقل ولا للجهود المضنية في تموز وصيف العراق اللاهب. ان احياء هذه المناسبات والتخطيط لاستثمارها بشكل امثل يحقق الامور التالية :
اولا : شحذ الهمم والنفس بالمعنويات ، لان الانسان بحاجة بين فترة واخرى الى الغذاء الروحي لمواجهة المشاكل والتحديات والصعاب ، وهذه المناسبات وخاصة عاشوراء واربعين الامام الحسين (ع) التي تعتبر محطة كبرى مفتوحة للتزود بالقيم والمثل والنبل ، بما يخدم مسيرة التقدم والتطور والرقي ليس على مستوى العراق فحسب بل على مستوى شعوب المنطقة والعالم اجمع. فالحسين كان ولا يزال مدرسة لتعليم الانسانية القيم السامية والمثل العليا في محاربة القهر والاستبداد والطغاة والظلم والظالمين ، لذا نرى الحسينيون على مر التاريخ القديم والحديث يتقدمون صفوف المضحين والمقارعين للسلطة الظالمة ، لان روح الامام الحسين تتحرك في دمائهم وتدفعهم في اتجاه الصواب دائما ، ونرى ذلك واضحا في مواقف بطولية معاصرة مثل فتوى الجهاد الكفائي بمواجهة داعش ، وفي مواقف حزب الله اللبناني والحوثيين والمقاومة في العراق والتصدي للحرب الصهيوامريكية الاخيرة على ايران في مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين.
انواع القتل
ثانيا : حفظ الهوية ، فقد كانت مهمة الامام الحسين وثورته تهدف للحفاظ على الهوية الاسلامية التي حاول طمسها الامويين بالتزييف والترهيب ، من هنا كان احياءها منهجها خطرا على استبداد الامويين والعباسيين على حد سواء ، وكل الظالمين على مر العصور ، ولسنا ببعيدين عن آخرهم من البعثيين والدواعش الذين كانوا يواجهون المناسبات الحسينية بقسوة يدفعها خوفهم منها ، بممارسة اقسى انواع القتل والتنكيل والتشريد بحق الزوار وممارسي الشعائر ولكنهم لم يفلحوا في ثني الامة وابعادها عن الحسين ، فالحسين يمثل هوية هذه الامة واحياءا لوجودها وحفاظا عليها وتكريسا وترسيخا لواقعها ومستقبلها.
ثالثا : البعد الحضاري ، فالمناسبات الحسينية حركة اجتماعية يمثلها الغنى الثقافي والاحتكاك بين مختلف الشعوب وتلاقي الحضارات ، واثراء التراث الفكري والاسلامي واحياء جوانبه المنيرة.
فالشعائر الحسينية تعبير عن الرأي العام المفضي للاصلاح ، والممارسة والتظاهرة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والاعلامية المفتوحة لتأشير مواطن الخلل في بناء الانسان وكيان الدولة فهي بمثابة العقد الاجتماعي بين مختلف الاطراف (الانسان - المواطن المؤمن الواعي واجهزة الدولة ومؤسساتها) ، لذا يجب تنميتها وتعميقها بالشكل الذي يمنحها دورا اكثر قابلية وفاعلية.
رابعا : الاثر التنموي ، فالمناسبة بما تمثله من جذب لملايين الزوار من مختلف الاقطار والاصقاع تشكل اثرا ايجابيا وقطاعيا على حركة الحياة في مختلف المجالات خصوصا مجال السياحة الدينية ، كما انها تعتبر محركا اساسيا ورئيسيا سوف يحتكم اليه الاقتصاد العراقي الذي يتنامى بشكل متسارع في مجالات النقل الجوي بمطارات بغداد والنجف وقريبا مطار كربلاء الدولي ، والمنافذ البرية المتعددة وحتى البحري مستقبلا ، وفي مجالات التنمية والتبادل الثقافي والتجاري والاستثمار الخارجي.
لذا فان المناسبة على الصعيد الاقتصادي فرصة لامتصاص البطالة المتفاقمة والتكامل الاقتصادي مع القطاعات الاخرى ، وارض خصبة لتوفير العملة الصعبة وموردا يضاهي وقد يفوق بامكانياته موارد الحج والعمرة على سبيل المثال لو استثمر بالشكل الصحيح ، وعليه فهي استثمار للطاقات وتوفير للوقت.
فالمناسبات في شهري محرم وصفر تعد بوتقة لصهر الحضارات الاسلامية المختلفة ، ومؤتمرات موسعة يشارك فيها الملايين من مختلف الشرائح والتوجهات ، بعفوية ولا يقتصر ذلك على العراقيين فحسب بل هي فرصة ومناسبة للتداول في شوؤن الامة الاسلامية والتحديات التي تواجهها والسبل الناجحة لتوحيد الجهود للوقوف امامها من خلال اللقاءات والاجتماعات في الهيئات والمواكب والتزاور والتشاور طيلة ايام المناسبات ، يجمعهم مشترك واحد هو حب الامام الحسين (ع) الذي قال عنه الرســــول الاكرم (الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة).