خطاب ترامب.. قراءة شرق أوسطية لتوجهات إدارة جديدة
محمد علي الحيدري
خطاب التنصيب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كشف عن ملامح رؤية قومية صارمة تسعى لإعادة صياغة دور الولايات المتحدة في النظام الدولي، وهو خطاب يحمل انعكاسات كبيرة على شرق أوسط.
هذا الخطاب لم يكن مجرد إعلان للداخل الأمريكي، بل رسالة موجهة إلى العالم، تتضمن إشارات واضحة حول نهج الإدارة الجديدة في التعامل مع قضايا المنطقة، في سياق يبدو أنه يعيد تشكيل موازين القوى الإقليمية.
شعار “أمريكا أولًا” الذي تصدر خطاب ترامب يعكس تحولًا جوهريًا في السياسة الخارجية الأمريكية. هذا الشعار، الذي يركز على حماية المصالح الأمريكية المباشرة، يثير تساؤلات حول مصير الشراكات الاستراتيجية التقليدية في شرق أوسط، لا سيما مع دول الخليج التي تعتمد على الدعم الأمني الأمريكي. انتقال واشنطن من دور الحامي إلى دور المفاوض الذي يطلب مقابلًا واضحًا لكل خطوة قد يعيد تشكيل طبيعة العلاقات الثنائية، ويفتح المجال أمام قوى أخرى، مثل روسيا والصين، لتعزيز نفوذها في المنطقة.
تعهد ترامب بمحاربة الإرهاب كان جزءًا محوريا من خطابه، لكنه ترك الباب مفتوحا لتفسيرات عديدة حول كيفية تحقيق هذا الهدف. في سياق شرق أوسطي، هذا التعهد قد يعني تصعيدا في المواجهة مع جماعات مسلحة مثل داعش والقاعدة، وربما مواجهة مباشرة مع إيران التي يتهمها الأمريكيون بدعم الإرهاب في المنطقة. العقوبات الاقتصادية، واستهداف النفوذ الإيراني في سوريا والعراق ولبنان، قد تكون الأدوات الرئيسية لهذه المواجهة، مما يعمق حالة الاستقطاب الإقليمي القائمة.
غياب القضية الفلسطينية عن خطاب التنصيب يطرح علامات استفهام حول أولويات إدارة ترامب في المنطقة. ومع ذلك، فإن وعوده السابقة بدعم إسرائيل بشكل غير محدود، بما في ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، تشير إلى توجه أحادي قد يؤدي إلى تصعيد كبير في الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذه الخطوة، إن تمت، ستضع دولًا عربية أمام خيارات صعبة، بين مواجهة هذه السياسات أو الحفاظ على العلاقات مع واشنطن.
تنازلات اقتصادية
في الوقت نفسه، يبدو أن ترامب يسعى لإعادة تقييم التحالفات التقليدية في المنطقة. دول الخليج، على سبيل المثال، قد تجد نفسها مضطرة لتقديم تنازلات اقتصادية أو سياسية لضمان استمرار الدعم الأمريكي. أما تركيا، فقد تواجه توترات إضافية في حال استمرار الخلافات حول قضايا مثل سوريا ودور حلف الناتو.
أما إيران، فمن المتوقع أن تكون محور التصعيد الأمريكي، سواء عبر تشديد العقوبات أو تصعيد الخطاب السياسي والدبلوماسي ضدها.
التركيز على تعزيز الاقتصاد الأمريكي وتقليص الاعتماد على النفط الخارجي يحمل دلالات عميقة لشرق أوسط. إذا استمرت الولايات المتحدة في تقليل وارداتها من النفط، فسيؤدي ذلك إلى تراجع العائدات النفطية للدول المصدرة، مما قد يعمق أزماتها الاقتصادية.
كما أن انسحاب واشنطن من تمويل بعض مشاريع التنمية الدولية قد يترك فراغًا تسعى قوى أخرى إلى ملئه، مما يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي.
خطاب ترامب أظهر تفضيلًا واضحًا للضغوط السياسية والعسكرية على الحلول الدبلوماسية، مما يزيد احتمالات التصعيد في المنطقة. سواء كان ذلك من خلال المواجهات غير المباشرة أو التدخلات العسكرية المحدودة، فإن النتيجة ستكون مزيدًا من الاستقطاب، وتفاقمًا للأزمات الإنسانية، وتعميقًا للانقسامات السياسية داخل الدول وخارجها.
هذا الخطاب، رغم تركيزه على الداخل الأمريكي، يمثل تحديًا كبيرًا لدول شرق أوسط التي يجب أن تتحرك بسرعة للتكيف مع التحولات القادمة.
السؤال الذي يبقى مطروحًا: هل ستكون هذه الدول قادرة على صياغة استراتيجية متوازنة تحمي مصالحها في ظل هذه الظروف المتغيرة، أم أن المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من الفوضى والتوترات؟
الإجابة ستحدد مستقبل المنطقة في ظل إدارة أمريكية ترفع شعار الانعزال المشروط والتدخل الانتقائي.