الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الوقف المؤقت للقوانين أمام القضاء الدستوري

بواسطة azzaman

الوقف المؤقت للقوانين أمام القضاء الدستوري

احمد طلال البدري

 

ان وقف تنفيذ القوانين نظام استثنائي تحفظي مؤقت تلجأ اليه بعض المحاكم الدستورية لتعليق نفاذ القوانين المطعون بعدم دستوريتها لحين حسم الموضوع الاساسي للطعن ، وقد يكون هذا الاختصاص اصيلا ضمن اختصاصت المحكمة الدستورية كأن ينص قانونها صراحة على سلطة وقف تنفيذ القوانين ، كما هو الحال في قانون المحكمة الدستورية الفيدرالية الالمانية  لسنة 1951 حيث نصت المادة (32/اولاً) منه على ان ( في حالة النزاع يمكن للمحكمة الدستورية الاتحادية ان تصدر قراراً مؤقتاً اذا كان ذلك ضرورياً بشكل عاجل لمنع الاضرار الجسيمة او لمنع العنف المحتمل او لسبب مهم اخر للصالح العام ) ، ومن استقراء النص المذكور نجد ان المشرع الالماني لم يكتف بمنح المحكمة سلطة وقف تنفيذ القوانين وانما تعدى الى ذكر حالات وقف التنفيذ لضمان سلامة اجراءات المحكمة الدستورية الفيدرالية الالمانية ولمنع تجاوز الحدود الدستورية المرسومة بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية ، ونلاحظ من صيغه النص انه اعطى نطاق واسع للسلطة التقديرية للمحكمة الدستورية الفيدرالية الالمانية لضم انواع من الانتهاكات التي تنال الدستور من قبل السلطة التشريعية تقع ضمن دائرة الحالات التي يجوز للمحكمة فيها الوقف المؤقت للقانون ،  حيث اعتبر حالة الاستعجال والجدية  امراً جوهرياً يتطلب توفره بالنزاع كشرط لوقف التنفيذ ، وكذلك اعتبر منع وقوع الضرر او الحد منه وتقليل نطاقه او منع وقوع العنف مبرراً لقبول طلب وقف التنفيذ ، وانتهى النص باعتبار اي سبب اخر تراه المحكمة على درجة من الاهمية والجدية للصالح العام سبباً تركن اليه المحكمة لوقف التنفيذ ، ومن المعلوم ان مفهوم المصلحة العامة واسع يمكن ان يضم تحت مضلته كماً متنوعاً من الحالا تتبرر وقف التنفيذ وفقاً لتقدير المحكمة ، ومن المؤكد يتوجب على طالب وقف التنفيذ تقديم الادلة والمستندات التي تثبت جدية طلبه او على الاقل ان تشير المستندات في ظاهرها الى جدية الطلب واحتمالية قوية قائمة بصحة الادعاءات والا ردت طلب وقف التنفيذ ، وهذا ماذهبت اليه المحكمة الدستورية الالمانية في قراراها المؤرخ في 23/8/2023 حيث جاء فيه ( ...قررت الدائرة الاولى في المحكمة الدستورية الاتحادية رفض طلب لاصدار الامر المؤقت وفقاً للمادة (32/اولاً) من قانون المحكمة الدستورية الفيدرالية .

حماية قانونية

اذ كان يجب على مقدم الشكوى خلال فترة الشكوى تقديم دليل مفصل ومقنع عن انتهاك الحقوق الاساسية من خلال تحديد الحق المزعوم انتهاكه والاجراء الذي يحتوي على الانتهاك ويجب تقديم القرارات المطعون فيها وطلبات الحماية القانونية الاساسية والوثائق الاخرى التي بدون معرفتها لايمكن الحكم ما اذا كانت الحقوق الاساسية او الحقوق المماثلة للحقوق الاساسية لمقدم الشكوى قد انتهكت...) ، مع الاشارة الى سلطة المحكمة بوقف التنفيذ مقيدة بشرط التأقيت حيث لايجوز ان تزيد مدة وقف تنفيذ القوانين عن (6) اشهر على امل الفصل بالنزاع خلال هذه المدة مع امكانية التصويت على تمديده لمرة واحدة .

اما في العراق فأن قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم (25) لسنة 2021 لم يعطي للمحكمة اختصاصاً اصيلاً لوقف تنفيذ القوانين ، وانما استعان نظامها الداخلي رقم (1) لسنة 2022 المواد (39) و(50) منه بالقواعد العامة للقضاء المستعجل والولائي( الاوامر على العرائض) المنصوص عليه في قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل لتدارك غفلة المشرع عن تنظيم قواعد موضوعية لوقف القوانين المطعون بعدم دستوريتها في قانون المحكمة ، وحيث ان نصوص قانون المرافعات المدنية لاتوفر الاستجابة الكاملة لمتطلبات الطعون الدستورية لانها شرعت لتنظيم حالات معينة في القضاء المدني ولايمكن الاستفادة من نصوصه الا في مجال شرط الاستعجال لمنع الضرر والشروط الشكلية لطلب وقف التنفيذ كتقديم الطلب بنسختين وتحريرياً واستيفاء الرسوم الخ ، وحتى على صعيد الشروط الواجب توفرها في مقدم الطلب كالمصلحة فقد اشترطت المادة (20/ اولاً) من النظام الداخلي فيمن يقيم دعوى دستورية ان تكون له مصلحة حالة ومباشرة ومؤثرة في مركزه القانوني او المالي او الاجتماعي ، على ان تتوفر ابتداً من اقامة الدعوى وحتى صدور الحكم فيها ، في حين لم يشترط توفر المصلحة المباشرة في طلبات البت بدستورية القوانين المقدمة من السلطات الاتحادية والوزارات والهيئات المستقلة والمحافظين استناداً للمادة (19) من النظام الداخلي للمحكمة ، والتي قد تتضمن طلب بوقف تنفيذ القانون المطعون بعدم دستوريته مع الطلب الاصلي اوبطلب لاحق له، وبذلك يكون المشرع فرق بشروط طالب وقف تنفيذ القوانين من حيث شرط المصلحة فقبل طلبات الطعن بدستورية القوانين وبالتالي قبول طلبات وقف تنفيذ القوانين استناداً للمصلحة المجردة، في حين اشترط المصلحة المباشرة المستمرة بالنسبة لطعون الافراد والاشخاص المعنوية الخاصة وهذا مخالف لعينية الدعوى الدستورية التي تهاجم القانون المتضمن خرقاً للدستور بصرف النظر عن توفر مصلحة مباشرة ام لا من مهاجمة القانون المخالف للدستور وطلب وقف تنفيذه ، ولذلك نجد ان قرارات المحكمة الاتحادية لم تسر على وتيرة واحد في قبول وتقرير حالات وقف التنفيذ لانها وجدت ان مجال تحركها لمجابهة حالات خرق الدستور محصور بنصوص قانون المرافعات المدنية الضيقه والمتمثله بالاستعجال والجدية وعدم المساس باصل الحق وهي نصوص مقررة في اغلب تطبيقاتها لمنازعات الافراد وليس لطعون دستورية ، وهذا تسبب في تضييق نطاق حالات قبول طلبات وقف التنفيذ .

ولاسيما اذا كانت هذه الطلبات تتضمن مبررات قانونية ودستورية تمس اصل الحق موضوع الطعن ، وعند ذلك تنأي المحكمة في الخوض بالاسباب اوفحصها خشية الوقوع في حومه المساس باصل الحق ، في حين ان المحكمة الدستورية الفيدرالية الالمانية تدقق الطلبات الوقتية شكلا وموضوعاً فاذا ما وجدت انها تستند لمبررات قوية تجعل من القانون محل الطعن مرشحاً للالغاء لعدم دستوريته تقبل الطلب ، ومن المؤكد ان الخوض في الاسباب للوصول الى هذه النتيجه هو يتضمن الدخول بموضوع الدعوى وان كان لايتضمن الفصل فيها بعد ، ولذلك نجد ان المادة (14) من قانون المحكمة الدستورية الفيدرالية الالمانية 1951 نصت على تشكيل لجان الفحص الاولى والتي تمارس اختصاص النظر في الطلبات وفحص مدى توفر الاسباب الجدية التي ترجح وقف التنفيذ والاسباب قد تكون تتعلق بتلافي الاضرار تتطلب اجراء مستعجلاً لمنع وقوعها او التخفيف منها،  او اسباب قانونية تتعلق بخرق النصوص الدستورية او انتهاك لاحد الحقوق المتعلقه بمقدم الطلب .

مرافعات مدنية

خلاصة ما نود الوصول اليه بان نظام وقف التنفيذ المتبع من المحكمة الاتحادية العليا والمستند لنصوص في قانون المرافعات المدنية لايستجيب لمتطــــــــــــــلبات الدعـــــــــوى الدستورية ويقيد من سلطة المحكمة في تقدير حالات قبول وقف تنفيذ القوانين ، وهذا يتطلب اجراء او تدبير تــــــــــشريعي يتضمن النص على اختصاص المحكمة الاصيل بوقف تنفيذ القوانين المطعون بعدم دستوريتها وقـــتياً مع تحديد مدة الوقف وحالات تمديده ، مع تحديد الاجراءات والشروط الشــــــــــكلية والموضوعية سواء المتعلقه بالطلب او بطالب الوقف او شروطه بما في ذلك امكانية قبول طلبات الوقف المؤقت للقوانين المستقلة والضمنية مع الدعوى الدستورية ...والله الموفق...

 


مشاهدات 64
الكاتب احمد طلال البدري
أضيف 2025/01/21 - 4:21 PM
آخر تحديث 2025/01/22 - 6:34 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 134 الشهر 10069 الكلي 10200034
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/22 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير