وحدة الفكر العربي (4)

عبد الكريم احمد الزيدي

وعلى هذا فأن قوة العرب وتجمعهم في هذه القواسم المشتركة التي يكاد ينفرد بها العرب عن سواهم، لم تكن إلا لتزيد من ادراكهم بحقيقة دورهم الأنساني في أثبات وجودهم وتمكينهم من فرض هذا الوجود بين باقي الأمم والشعوب وتذكيرهم بما تملي عليهم هذه من قوة وصدارة في تمثيل فكرهم وارادتهم كقوة فاعلة مؤثرة ونموذج لبناء نموذج حي يقتدى به ورسالة انسانية للتبشير والهداية ونشر الفكر الوافر بظلال الرؤية الصحيحة الصادقة لبناء الإنسان والدولة والمجتمع.

فرسالة العرب لم تكن دينية في التوحيد والاخلاص والعبادة وتخلي الذات البشرية عن مفاهيم الضلال والتيه والعبث والمجون فحسب، وإنما ثورة في الروح والإرادة وتعزيز مفهوم الإنسانية في الحرية والتغيير وبناء مجتمع قادر على أن يقود العالم بنظرة العدالة والمساواة والمحبة واحترام الذات البشرية التي كرّمها الله سبحانه وتعالى وأرسى فيها كل معاني التقويم الكامل.

والمراد هنا أن يكون الفكر تغييراً في الذات أولا وقناعة في الإيمان بها لخلق مجتمع صحيح معافى من أمراض الأنانية والتسلط وحب الذات وفرض الإرادات على الآخرين وأن تكون القوة الحقيقية بما تحمله سمات وصفات الروح المطمئنة القانعة والراضية بالقدر والغيب،  لا ان تكون غارقة بأحلام التسلط والقوة والظلم وعنجهية التحكم والجاه والنسب.

ربما تكون هذه المقدمة الموجزة هي المجاز للتعريف بإرادة الفكر عموما وتشبيه رسالته بواقع ملموس حي لا برسم صورة الحلم الذي يعاود الوعي والادراك بما يضفي عليه من الخرق والسفه والطيش، ولعل وحدة الفكر ناشئة من جمع كل مقومات الإستدلال بهذا المفهوم ووليدة التسليم بأحقية البلوغ والإتزان لتكون منابع صافية لمجرى نهر عذب يروي في جانبيه جنان من الخصب والرغد وتسرح على شطئانه عناقيد المروج دانية متدلية بسلال التنوع والخلط دون أن تشوبها التفرد والوحشية.