وهج الصدر والفكر

علي عبدالرحمن الحيدري

تُخصص كبريات الصحف والمجلات في العالم مساحات واسعة للكتب: تعريفاً وعرضاً ونقداً ومراجعةً، وهذا النوع من الكتابات مما يُقبل عليه القراء بشغف؛ نظراً لأنها مواد مهمة تعرّف بالجديد من الكتب والاصدارات، وتلفت الانتباه إلى الإضافة فيها، وتنبه على ثغراتها إن وجدت.

وكما عودنا القارئ الكريم بالتعريف بكتابٍ جديدٍ من الكُتُب التي صدرت حديثاً.. وقع الاختيار هذه المرة علىٰ جزءٍ جديد مِنْ معلمةٍ كبيرة وموسوعةٍ فريدة مفيدة متشعبة المواضيع ومتنوعة الفنون ومترامية الأطراف، والتي يطيب لنا من رحيقها الارتشاف: (موسوعة العراق الجديد) تأليف العالم الكبير الأديب القدير المصنف الغزير الأستاذ السيد حسين السيد محمد هادي الصدر (حفظه الله).

 وهو الجزء السادس عشر بعد المئة منها والذي حمل عنوان: (وهج)، وأول ما استوقفني وأنا أُجيل النظر في مقالاته المتنوعة والرائعة، الأبيات التي كُتبت على ظهر غلافه ونصها:

تُفْدَى المكارِمُ بِالمُهَجْ

وَلَها بدنيانا وَهَجْ

وَإِذا تَعَّسَرتْ الأُمورُ

فَأَرهَقَتْ جاءَ الفَرَجْ

ومادة هذا الجزء في الأصل، كالأجزاء السابقة والتي سبق لي الكتابة عن بعضها، مقالات نشر المؤلف المحترم معظمها في عموده وزاويته اليومية الصباحية الدائمة بصحيفة الزمان العريقة، وكل المقالات ذات نسق واحد تشترك معاً في الفكرة والهدف؛ لذا رأى أن يسميها وهج، وعنوان هذا الجزء المتوهج يدل على مضمونه.

يقول المؤلف الكريم في مقدمةِ هذا الجزء: (إنَّ وهج العقل يدعو إلى مراقبة النفس ومحاسبتها بدلاً من تزكيتها والعُجب بها مع ما هي عليه من تقصير في أداء الواجبات وإصرار على اجتراح السيئات.

وإن وهج الفكر الصائب والتجارب الحياتية الواعية يعتبر من أثمن الكنوز.

وإن وهج الأخلاق والآداب يحي النفوس وإن له شعاعا ينفض عنها غبار الغفلة واللهو...).

وعودًا على بدءٍ يقع هذا الجزء في ١٨٠ صفحة من القطع الوزيري، ويضم بين طياته أكثر من ثلاثين مقالة، متنوعة المواضيع ومختلفة الأغراض ما بين رياض الأدب الفسيح وعبر التاريخ وقصصه وهموم الإصلاح والمصلحين وقضايا المجتمع ومتطلباته.

مقالات مميزة

ومن المقالات المميزة والمهمة التي استوقفتني في هذا الجزء (السهل الممتنع)، وحديثُ المؤلف عن الأسلوب الذي يطيب للأدباء تسميته بـ(السهل الممتنع) حديثٌ ينمُ عن فطنة وذكاء، كيف لا وهو كما قلتُ سابقاً بأنه صاحب الأسلوب الممتع الساحر الذي وصفه من عرفه بالسهل الممتنع، وصاحب المقالات التي سارت بحملها الركبان والشاعر الكبير صاحب الدواوين العديدة المتنوعة الأغراض والمواضيع كما سبق أن ألمحنا لذلك في مقالاتٍ سابقة عن كتبه، وقد قال المؤلف المحترم في هذه المقالة:

(حين تذكر الأساليب في التعبير تجد أن أعلى صيغ المديح هي قولهم: (هذا من السهل الممتنع) فالسهل الممتنع هو الخالي من التعقيد والتكلف والألفاظ الغريبة، فهو من الوضوح والسلاسة بحيث يستطيع القارئ أن يدرك معانيه دون عناء.

والممتنع: حيث لا يقوى عليه إلا الموهوب الذي آتاه الله من القدرة على اجتياز كل ما يُعيق عن الوصول إلى مرافئ الإمتاع والابداع) وساق نماذج دلل بها على هذا الأسلوب الذي يعد من رواده.

ولن يُحرم القارئ الكريم الفائدة والمتعة من مطالعته هذا الجزء ووقوفه عليه فقد ضم بين طياته موضوعات نافعة ومتنوعة تحث على التحلي بالخلق الحسن والتزين بالفضائل والتجمل بها والتجنب عن الرذائل والتنزه عن العيوب، واكتساب العلم والمعرفة والاستفادة من العبر والتجارب.

وفي ختام هذا العرض الموجز لهذا الوهج المعرفي، أكرر نصيحتي للقراء الكرام بالتزود من عبق وعبير هذه الموسوعة المتنوعة الأجزاء، والتي تضم فسيفساء زاهيّة الألوان ومزيجاً نادراً من المعارف والفنون والأدب شعراً ونثراً والتجارب والقصص والعبر التي لم تجتمع في موسوعةٍ قبلها سابقاً، والاستفادة من كل هذا والتمعن فيه والإبحار مع المؤلف والتنقل معه في أزمان مختلفة، والاستفادة من ارشاداته ودرره الثمينة التي ينثرها هنا وهناك.

فإلى رافع راية الإصلاح العلّامة الكبير المصنف الأستاذ حسين الصدر كامل الشكر والتقدير على اتحافنا وامتاعنا بهذا الوهج المعرفي، داعين له بأن يمده الله بموفور الصحة والعافية ليُتحفنا ويمتعنا بمزيد من أجزاء موسوعته الكبيرة “موسوعة العراق الجديد».